ما تشهده الساحة اللبنانية، بعد تشكيل الحكومة، يُنذر بأن قيامة لبنان ممنوعة، وبأن القرار المتَّخذ بحق هذا الوطن المنكوب سيظل ساري المفعول بحكومة ومن دون حكومة. والوقائع كلها تؤكد على هذه الحقيقة المؤلمة، بل المفجعة.
ذكرنا، أمس، ونكرّر اليوم، أن اللبنانيين كانوا يعوّلون كثيراً على إنتاج حكومة، أي حكومة. والأكثر من ذلك فقد قيل لهم روحوا شكّلوها، وستبدأ حياتكم تستعيد وقعها الطبيعي ولو ببطء، ولكن باضطراد صعودي… فكانت الحكومة الميقاتية، الجالسُ وزراؤها سعيدين في تكاياهم، فلم يتغير شيء سوى الإطلالات البهية لأصحاب المعالي وزميلتهم صاحبة المعالي الوحيدة…
لا ننفي الحراك الذي يقوم به الرئيس نجيب ميقاتي ووزراؤه الميامين، ولكن أخشى ما نخشاه أن يكون من النوع الذي يصح فيه التوصيف الوارد في المثل السائر المشهور: «حركة بلا بركة «… نخشى ذلك لأننا نريد حراكاً مباركاً… ولكن الواقع في مكان آخر:
أولًا – الواقع المعيشي من سيئ إلى أسوأ . فالأسعار نار، في المواد والسلع كافة. صحيح أن بعض السلع كان مفقوداً، والأكثر صحة أنه كان محتَكراً ومخبّأً، ولكن ما أُعيد الدفع به إلى الرفوف في المتاجر والأسواق تجاوز سعره المنطق والمعقول.
ثانياً – بالرغم من الارتفاع غير المسبوق، في هذا البلد التعِس، بأسعار المحروقات، وجد اللبنانيون أنفسهم، مرة جديدة، أمس بالذات، أمام خراطيم محطات البنزين المرفوعة، وأيضاً في خضمّ طوابير السيارات في مشهد استفزازي بكل ما للكلمة من معنى.
ثالثاً – لا يزال العام الدراسي تائهاً بين نظريات واجتهادات وزير سابق، ونظريات واجتهادات خَلَفه. وأما العام الدراسي ففي المجهول.
رابعاً – أما ما لا طاقة للناس على احتماله على الإطلاق فهو الارتفاع الجنوني، قولاً وفعلً ، في سعر صرف الدولار الأميركي الذي فاق كل التقديرات، وأسقط الوعود التي اتحفونا بها (ولا نقول كذبوا بها علينا، وإن كانوا قد فعلوها) ومن أبرزها تلك النصائح التي صدّقناها ببلاهة مذهلة وهي: ألّفوها تبدأ عملتكم بالاستقرار… وارفعوا الدعم يتراجع الدولار…
كلمات، كلمات، كلمات. وليس أكثر دقة من القول المأثور: «الحكي ما بيرخّص بضاعة ، والحكي ما عليه جمرك».
ولكن الحكي بيحرق ديك الناس!