يدخل لبنان في اللحظة الحاسمة التي ليست وقفاً عليه، علماً أنّ وقعها هنا أشدُّ وطأةً مما هو على سائر أنحاء المنطقة والإقليم، فقط لأن هناك مقداراً من الاستعداد والقدرات والإمكانات و… وهو ما نفتقده كلياً في لبنان، إذْ القوم منشغلون في المناحرات والخلافات والصدامات والصراعات والاقتتال الذي يوقع الضحايا أيضاً… وبالتالي ليس لديهم الوقت لأي مواجهة للتطورات الخطيرة المتوقعة، ولو في الحدّ الأدنى.
والاستحقاقات المهمة تراوح بين مأزق الحدود المائية في مياهنا الاقتصادية و«الحدود» القضائية في قصر العدل، وما بينهما من قضايا، في طيّات كلٍّ منها أزمات، لعل في طليعتها الأزمة المالية – الاقتصادية الضاغطة على اللبنانيين بما يفوق الطاقة على الاحتمال.
يُطل الأسبوع الطالع والبلد في عمق المأزق. فقرار الطيف الشيعي، الممثل بالثنائي، وقف الحكومة إلى أن يُقبع المحقق العدلي طارق البيطار فتُكفّ يده ويُسحب منه ملف كارثة المرفأ، وإلا فلا حكومة على الإطلاق ولو استمر هذا الوضع إلى ما بعد الانتخابات النيابية، عندما تعتبر الحكومة مستقيلة بحكم الدستور… أي أن البلد كُتبتْ عليه الكربجة، أي أنه بات محكوماً بعدم الانتاج!
يحدث هذا في وقتٍ يتفرد لبنان بأنه الوحيد بين دول الجوار في حوض البحر الأبيض المتوسط الذي لا يعرف ما إذا كان سيُقدّر له أن يبدأ التنقيب عن ثروته من النفط والغاز، بينما خطا الآخرون خطواتٍ بارزةً، ليس فقط في التنقيب، بل أيضاً في استخراج الغاز ودخول أسواق العقود الاستثمارية. فالأمر موكَلٌ إلى الوسيط الأميركي الذي لا نعرف إلى أي مدى سيذهب في الحياد بين لبنان والعدو الإسرائيلي الذي يستثمر ثروات فلسطين المحتلة الطبيعية من دون أن يزيح عن مطامعه في مدّ اليد إلى ثروات لبنان.
وفيما السلطة التنفيذية الإجرائية معطّلة، لا يبدو في الأفق أي مؤشّرٍ، وإن ضئيلاً، على أي باب من أبواب الفَرَج، بالنسبة إلى تعذّر المواءمة بين قدرات الشعب اللبناني وارتفاع تكاليف الحياة… والأخطر من ذلك كله الرهانان المخيفان، أوّلهما الرهان على أن الانتخابات لن تُجرى لا في آذار ولا في أيار المقبلَين. وأما الثاني فما يراهن عليه كثيرون (من أسفٍ) على توقعات أمنية… وليحفظ الله لبنان.