IMLebanon

في انتظار غودو.. ما هي خيارات اللبنانيين؟

 

بعدما انفضحت سياسات تدوير الزوايا وانسدت المخارج

 

 

ليس أبلغ من كلام المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر، في توصيف القعر الذي وصل إليه لبنان بفعل جرائم منظومته السياسية وسياساتها المستهترة. وهو بعد جولة مطوّلة في البلد وعلى بعض هؤلاء قال كمن ينفخ في قُربة مثقوبة: «هذه دولة في طريقها الى الفشل، إن لم تكن بالفعل، قد فشلت»، واصفاً من التقاهم بأنهم «يعيشون في عالم خيالي… وهذا لا يبشر بالخير»! قبل هذا المسؤول الأممي، كثيرون سبقوه في توصيف القعر وجَلد المنظومة.. لكن لا حياة لمن تنادي. لا النداءات نجحت، ولا العقوبات فعلت فعلها!!

 

بماذا ينشغل هؤلاء، وهل علينا أن نصدق أنه لم يبق في البلد عقلاء ورجال دولة مخلصون يستطيعون إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال خطة إنقاذية منطقيّة؟ وهل استسهل الجميع الانبطاح أمام سطوة السلاح والمليشيات التي ابتلعت الدولة والسلطات والمؤسسات؟

 

الفجوة التي تكبرمن يستمع إلى ما يفوح من فيهِ وزير الإعلام جورج قرداحي عن السيادة الوطنية والرز بحليب يدرك القعر الذي نتحدث عنه. الرجل بدل أن يريح اللبنانيين من طلّـته السمجة، واستعراضاته الخفيفة، مشغول بإخراج قانون عصري للإعلام!! نعم، وفي الحكومة من هذا الطرز أكثر من مسطرة.

 

في تقدير مصادر متابعة، «لا حلول داخلية منظورة للانسداد الكبير، بانتظار أمور أكبر. لكن ما هو أكيد أن الكارثة الاقتصادية ستتوسّع، فسعر صرف الدولار يسابق كل شيء ملتهماً ما تبقى من قيمة الليرة والرواتب، والجهات المعنيّة مشغولة بتكبير الفجوة وحماية مصالح المنظومة وخنق الاقتصاد، فيما الأسعار والخدمات والاستشفاء بات خارج أي منطق أو عقل»، ففي بلد الكارتيلات والمافيات والسوق السوداء الوزراء، أو معظمهم، مجرّد أشباح ارتضوا مهمة توقيع جداول الأسعار شبه اليومية، والتصريح حول ما يلزم وما لا يلزم… وكل ذلك، كلّه، كفيل بدفع الناس إل الشارع ورفع الصوت.. لكنه لم يحصل!!

 

هل تكون الانتخابات حلاً؟

 

أمام هذا الانفصال هل تكون الانتخابات النيابية حلاً ومدخلاً للتغيير؟

 

أغلب الظن أن المنظومة لن تسمح بتحوّل الانتخابات إلى استحقاق ديموقراطي يشكّل مدخلاً للتغيير، هي تريد من خلاله تجديد شرعيتها أمام شارعها وأمام الخارج؟ ومن التبسيط افتراض أن هذه الطبقة ستسمح بقلب الطاولة عليها من خلال الآليات الدستورية، والأطر الديموقراطية.. والغريب أن المجتمع الدولي لا يريد رؤية هذه الثغرة!

 

في تعليق له على تطورات الأحداث من غزوة الطيونة – عين الرمانة وما سبقها من تهويلات لـ «قبع» القاضي بيطار، وما تلاه من الواقعة القرداحية، يؤكد خبير استراتيجي أن «قبضة حزب الله لا يمكن أن تحلّ وفق الآليات الدستورية، والممكنة والمتاحة والمنطقيّة، باختصار، لأن ما يجري مناقض لتكوين لبنان ورسالته ودوره وثقافة شعبه»، وإذ يلفت إلى أدوار لبقية أركان المنظومة السياسية والطامحين للموقع الأول في السكوت عما يجري، يؤكد أن «الحل – البديل ليس بمتناول اليد حالياً، وهو يحتاج إلى فترة زمنية تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، أي نضوح تسويات إقليمية أكير تتصل بالساحة السورية، والترتيبات مع إسرائيل، وآليات طرد النفوذ الإيراني من سوريا، واتضاح المشهد العراقي، خصوصاً وأن المؤشرات التي عكستها نتائج الانتخابات العراقية أغضبت إيران التي لا تريد لهذا البلد أن يعود سيداً مستقلاً ديموقراطياً»، ويتابع الخبير: «تأسيساً على كل ذلك، يمكن فهم لعبة التعطيل والتفريغ التي يمارسها الحزب في مؤسسات الدولة، وباتجاه كل الملفات، خصوصاً تلك التي لا ينفع فيها اعتماد سياسات تدوير الزوايا».

ad

 

ويعتبر الخبير أن الخطوات الخليجية باتجاه لبنان «جاءت متأخرة 5 سنوات، وربما كانت ستكون أكثر تأثيراً لو جاءت بعد التسوية الرئاسية المشؤومة في 2016»، فبرأيه أن «إرادة مقاومة الهيمنة الإيرانية في ظل الأزمات المتراكمة شبه ميتة على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فتحتاج إلى حسم قد يكون موجعاً».

 

ويخلص إلى سؤال نفسه، ما المتاح إذن؟

 

في تقديره أن كل الأبواب موصدة، فاستقالة الحكومة، بعدما انسدت كل المخارج، وتحولت إلى مرحلة تصريف الأعمال مبكراً جداً، تنخرها الكيديات والفيتوات، صعبة لاعتبارات داخلية وخارجية، وقد سبق للرئيس نجيب ميقاتي أن قال بُعيد التشكيل: «من أراد التعطيل فليخرج»، لكن لا أحد يريد تقديم مصلحة البلد.

أما الخيار الثاني، فهو انتظار الانتخابات النيابية، كما يعوّل المجتمع الدولي، مع مخاطر إجرائها وفق رياح السلطة، أي ذلك القانون المسخ، وفي ظل غياب الشفافية والحرية وتغوّل السلاح والميليشيات؟ وهذا كمن يراهن على سفينة مثقوبة في بحر لجّي.

وأخيراً، انتظار المجهول، على طريقة رائعة بيكيت «غودو»، بوجعها الإنساني، ومآسيها اللامتناهية، وكوميديتها السوداء.. لكن المفارقة أن ذلك المخلّص لن يأتي أبداً!