لا شيء في سلوك المسؤولين يوحي أن في لبنان أزمة تدفعهم الى معالجتها أو أقله الى التوقف عن تعميقها. لا أزمة إقتصادية جعلت الطبقة الوسطى على خط الفقر والطبقة الفقيرة تحت خط الفقر، وقادت الى “نزيف أدمغة” عبر هجرة ثلاثمئة ألف من الإختصاصيين والقادرات والمتخرجين من الجامعات. ولا أزمة علاقات مع السعودية ودول الخليج. لا أزمة “بلطجة” على القضاء لحماية الخائفين من الحقيقة وتحمل المسؤولية في إنفجار المرفأ. ولا أزمة “سلبطة” على السلطة تعطل مجلس الوزراء. لا أزمة سرقة موصوفة للمودعين من خلال إجبارهم على خسارة ثمانين في المئة من قيمة دولاراتهم بلا مساءلة. ولا أزمة أخذ لبنان بالقوة الى المحور الإيراني.
ذلك أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يبدو كأنه صار رئيس المعارضة. فهو وراء مقعد القيادة في سيارة معطلة ولن يكون السائق الفعلي لها ولو أُعيدت الى السير بتحقيق ما يطلبه “الثنائي الشيعي” الذي عطلها. وبقية المسؤولين لا يهمهم ما تقوله الناس، ولا صراخ المرجعيات، ولا قول مقرر الأمم المتحدة الخاص أوليفييه دي شوتر “إن المسؤولين خذلوا شعبهم ودمروا العملة الوطنية وليس لديهم شعور بالمسؤولية”. فهم فعلوا أكثر مما تعرفه الناس وتعانيه باللحم الحيّ، وأكثر مما اكتشفه دي شوتر خلال أيام من اللقاءات في بيروت. وهم يبيعون اللبنانيين والعرب كلاماً من دون موقف عملي يوقف تمدد المحور الإيراني في البلد على حساب علاقاته مع أشقائه العرب وأصدقائه الدوليين. كل ما في يومياتهم هو الشغل كالمعتاد بالفراغ، وإنتظار ما يفعله الآخرون من أجل لبنان. حاكمون ومتحكمون بلا مسؤولية.
والسؤال، وسط هذا الوقع الإنحداري المخيف نحو إكتمال الإنهيار، هو: هل أبقى المسؤولون أية فرصة لإطلاق البلد المخطوف وحل ما أعاد التأكيد، وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أنه “أزمة الهيمنة” على لبنان من جانب “حزب الله”، لكي تستعاد العلاقات مع دول الخليج؟ الى أي حد يصمد المجتمع الدولي في دعم لبنان الذي لا يتحمل المسؤولون فيه المسؤولية، وسط قطيعة مع العرب وإهتمام إيراني به على مدار الساعة؟ ومن يأخذ بنفي “حزب الله” للهيمنة، في ظل الواقع الناطق على الأرض وحرص طهران على التذكير بأنها “تحكم أربع عواصم عربية” بينها بيروت؟
الأجوبة ترفع منسوب القلق. فمن جهة، خطر التعطيل يهدد إجراء الإنتخابات النيابية كفرصة لأمل في الحد الأدنى من التغيير. ومن جهة أخرى، تصوير التطورات الإقليمية بأنها تزيد من تمدد المحور الإيراني في “غرب آسيا” وتسد الطريق على أي تغيير معاكس في لبنان. فضلاً عن أن أي موقع في السلطة المعطلة لن يهتز ولو اختفى لبنان.
لكن الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها ليس بهذه البساطة المغالية في المبالغات. فالمشروع الإيراني يصطدم بطبيعة التركيب السوسيولوجي في المنطقة قبل أية قوة أخرى. ولبنان كان ولا يزال مقبرة المشاريع التي حلم ويحلم بها أي طرف. و “ليس من الضروري أن تكون عقول القادة حيث أقدامهم” كما قال دين أتشسون في مذكراته “حاضر عند الخلق”.