أُمٌّ عربية، أمٌ فرنسية، أمٌ فارسية، وأمٌ روسية، أربعُ أمَهاتٍ، والأمُّ الوطنية طالق… فإنْ خفْتُـمْ ألاَّ تعدِلوا فواحدة… ولم يعدلوا…
ولمْ تعُدْ باريس «مربطَ خيلنا»، ولا أيُّ عاصمةٍ أخرى لأنّـه لم يعدْ عندنا، لا فرسان ولا خيول.
قصّة لبنان مع تعدّد الأمهات توازي تعدُّد الزوجات: في تعـدُّدِ الزوجات تبريـرٌ شرعي، وفي تعـدّدِ الأمَّهات إنهيار الشرعية.
بعد الحرب العالمية الثانية إقترح حقوقيُّون إلمـان تعدّد الزوجات لتعويض ما خسرته إلمانيا من الجنس الذكوري بسبب الحروب الفتّاكة التي خاضها هتلر.
وبسبب الحروب الفتّاكة التي يخوضها الحكم نتيجة فقدان الجنس الذكوري، تعدَّدَتْ عندنا الأمهات، وحاولت الأمّ الحنون أنْ ترمي بنفسها فوق الطفل مخافة اقْتِطاعهِ إلى نصفين، فجوبهتْ بالرفض، ولا يزال سليمان الحكيم يشهر سيفه، والطفل يأبـى إلاّ أن يكون تحت السيف.
ولا واحدة من الأمهات الأربع استطاعتْ أنْ تُـنْجب الطفل المعجزة الذي إسمه الحكومة، حتى بواسطة الأنابيب.
فيما ألأمر لـم يعُـدْ يتعلّق بوجود حكومة أو بعدم وجودها ، بل بوجود وطـنٍ وعدم وجوده، وهو يكاد يلفـظ أنفاسه الأخيرة على فراش الرَجُلِ المريض في مستشفى الأمـم.
وماذا… بعد هذا السلوك الذي يمارسه أهلُ الحكم والمسكون بالجنون…؟
ماذا… لو سقط كلُّ ما تبقّى من هيكل الدولة المتصدّع في مهاوي التدمير الكامل…؟
ماذا… لو بقيَ لبنان بلا حكومة ، والحكم يترنّح على يـدِ حاكم عرفـيٍّ منفرد…؟
ماذا… لو سقط آخـر حاجزٍ شرعي في الدولة، وراح الإنشقاق الأفقي والعمودي يشطر الأمَّـةَ من أعلى إلى أسفل شطرين متنازعين، وقـدْ بـدَت ملامح هذا الإنشقاق تلـوِّحُ بالدواهي الكبائر…؟
ماذا… لو تفرّغ لبنان من كلِّ خصائصه التاريخية ، ومن المشاهير وأصحاب الإختصاص ونوابْع الأدمغة والمواهب العالية والمهارات ، وقد بدأتْ مواكبهم في الرحيل..؟
ماذا… لو ظـلَّ الشعب يعيش حياةً مأْتمية غارقاً في الغيبوبة كـمَنْ يستأهل الموت الرحيم…؟
ماذا… لو بلغ الجـوع ذرْوتّـهُ إلى حـدِّ الإقْتِتـاتِ بجُثَـثِ الأموات…؟
الفيلسوف والمفكر الفرنسي ميشال «مونتنيه» Montaigne : كتب في القرن الخامس عشر عن «أكْـلِ الموتى بأنّه أقلّ خطراً من تعذيب الأحياء…»
في علم الطبائع البشرية : بقدر ما تكون قـوَّةُ الجوع والإضطهاد والكبْت ظالمةً : تنطلق الحركة الشعبية عنيفةً لتأمين حقِّها في الحياة، ولا يبقى لها من سبيلٍ للدفاع عن نفسها إلاّ بالغريزة.
وعندما يفقد الحكم وجوده القانوني والحقوقي والدستوري، يصبح الفراغ مع وجود حكمٍ ورئيس أخطر من الفراغ بلا رئيس وحكم، ويصبح الحكم الشعبي هو العدالة والشرعية والقانون، ولا تكون عملية المحاربة من أجل الإنقاذ أقلَّ عنفاً من عملية المحاربة لرفض الظلم.
في باب المعادلات: أنَّ فرنسا أنشأتْ في العهد العثماني «فرقة الشرق» من ألوف المتطوِّعين اللبنانيين لتحرير بلادهم من جـوْر الأتراك، فخاضت ميادين القتال إلى جانب الحلفاء واتخّذت لها علَماً أبيض في وسطه الأرزة.. «شمس الحرية».
والتحق فريق آخر من اللبنانيين بجيش الشريف الحسين ملك الحجاز للإسهام في تحرير بلادهم من الإحتلال العثماني.
ومِـنْ أغرب عجائب الزمان أنْ تضطرّ فرنسا اليوم إلى إنشاء فرقة من متطوِّعين لبنانيين لتحرير لبنان من الحّكام والقادة اللبنانيين.