IMLebanon

“حلف الإنهيار”

 

أزمات لبنان العميقة لا تكفي أطراف السلطة التي تلجأ الى ممارسة نوعين من السياسة: سياسة البحث عن مشكلة إضافية، وسياسة الدوران حول المشكلة. “الثنائي الشيعي” إخترع مشكلة بالإصرار على “قبع” المحقق العدلي في إنفجار المرفأ طارق البيطار. و”حزب الله” أضاف مشكلة بإغلاق الباب الذي يفتح مسار التسوية لأزمة العلاقات مع السعودية ودول الخليج. ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يقومان بالدوران حول المشكلة.

 

الإصرار على المشكلتين منع مجلس الوزراء من الإجتماع، بحيث تعطلت مصالح اللبنانيين ومصلحة لبنان. والحل المقترح يؤدي الى ضرب القضاء وشرشحة السلطة ومنع التحقيق من التوصل الى الحقيقة وتدمير ما بقي من مؤسسات الدولة وعلاقات لبنان العربية. الرئيس ميشال عون يدعو الى أفضل العلاقات مع الدول العربية، لكنه لا يستطيع القيام بخطوة عملية من خلال إقناع شريكه في “تفاهم مار مخايل”، ولا إقناع السعودية والوسطاء المفترضين بالتمايز بين رئاسة الدولة ومواقف “حزب الله”. والرئيس نجيب ميقاتي يستطيع أن يذهب الى الفاتيكان ومصر وتركيا بعد فرنسا وقمة غلاسكو، لكنه لا يستطيع أن يجمع مجلس الوزراء خوفاً من إنفجار الحكومة، ولا أن يذهب بيدين فارغتين الى الرياض التي، قادت أطراف في حكومته، الى أزمة العلاقات معها.

 

والسجال السياسي سهل، والأسهل منه هو تدبيج خطب وبيانات ضخمة منقطعة عن الواقع الذي تقدم الوعود بتغييره نحو الأفضل. فالتغيير المعاكس حصل. وما تبدل في لبنان ليس فقط موازين القوى الطائفية بل أيضاً النظرة الى موازين المصالح وقوة المصلحة الوطنية. فالمسألة ليست المبارزة في السجال بين من يدافع عن العهد ومن ينتقده ولا هي في لوم الموالين أو في لوم المعارضين. ولا بين المراهنين على قوة “حزب الله” ومشروعه وبين الذين يهاجمونه ويرون فيه مصدر الخطر على لبنان المخطوف بالقوة الى “محور الممانعة”. المسألة هي ما يعبر عنه المثل الصيني القائل: “إبحث عن الحقيقة في الوقائع”.

 

ذلك أن المقياس العملي هو رؤية الواقع الذي قادنا إليه كل هؤلاء السادة من أمراء الطوائف والميليشيات والمافيات الذين يحكمون البلد ويتحكمون به. والواقع أن لبنان يقترب من المراحل النهائية للإنهيار الوطني والسياسي والمالي والإقتصادي والإجتماعي. والمسؤولون الذين قادونا إليه، بصرف النظر عن التفاهمات والصراعات والخصومات بينهم، يشكلون عملياً “حلف الإنهيار”. فهم يوظفون الأزمات في خدمة أهدافهم، سواء كانت فئوية ضيقة أو إستراتيجية واسعة تتعلق بالرهان على ربط المتغيرات في لبنان بالمتغيرات في المنطقة. وهم جمعوا الثروات بإفقار اللبنانيين عبر المشاركة أو التواطؤ أو العجز حيال السطو على المال العام والخاص.

 

لكن الإنهيار يؤدي في النهاية الى إنفجار. ومن الصعب أن يبقى لبنان الإستثناء من قاعدة المبدأ الديالكتيكي الماركسي: “التراكم الكمي البطيء يؤدي الى تحوّل كيفي سريع”.