على وقع انتظار لبنان ترجمة عملية لنتائج جدة بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وانسداد الانفراجات الحكومية واستمرار العوائق القضائية في وجه قضية تفجير المرفأ والتدهور المتمادي في الاوضاع المعيشية، معطوفا على الارتفاع المخيف في إصابات «كورونا»، فقد توقف اللبنانيون، على وجه العموم، امام تجاهل الجلسة النيابية الاخيرة (الثلاثاء الماضي) برئاسة الرئيس نبيه بري، وحضور رئيس حكومة «معا للانقاذ «نجيب ميقاتي، ابرز واجباتها ومسؤولياتها، المتمثلة بالمساءلة والمحاسبة، والبلد يمر بأزمات متعددة العناوين والمضامين والاهداف والمصادر، من بينها تعطيل الجلسات الحكومية منذ ١٢ تشرين الاول الماضي…. وكأن المسألة لا تعني «ممثلي الشعب «، لا من قريب ولا من بعيد …؟! استدعت تواصل المناشدات الدولية والعربية، حيث اكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على مسامع الرئيس ميقاتي في القاهرة، اول من امس، «حاجة لبنان الى وفاق سياسي. لاستنهاضه من الكبوة التي يعاني منها…»
استشاط الرئيس بري غضبا، جراء غياب الكهرباء «التي برأيه «تمثل اكبر مكان للهدر…» والبلد يعاني ما يعانيه، فلا انفراجات قضائية متصلة بتفجير مرفأ بيروت، والعد التنازلي لإصدار «المجلس الدستوري» قراره في الطعن المقدم من «الكتلة العونية» حول التعديلات على قانون الانتخاب…. ما يؤكد ان غياب الكهرباء ليس وحده «علة العلل» التي يعاني منها لبنان، من اقصاه الى اقصاه، وليس وليد اليوم، وقد كان ذلك خدمة لا تقدر بثمن لجشع اصحاب المولدات اللامحدود الذين يتلطون خلف الارتفاع الجهنمي لأسعار المحروقات، ومنها مادة المازوت التي تحرم غالبية اللبنانيين نعمة التدفئة الشتوية.. وقد اكدت مصادر تجارية «ان مؤشر التجارة مستمر في التدهور، تزامنا مع رفع الدعم من دون بديل…»؟!
لبنان اليوم مثقل بالازمات السياسية وغير السياسية، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا معالجة للنفايات التي اثقلت على الشوارع والساحات، وقد تدهور الوضع البيئي الى حد بات يشكل خطورة صحية، كما لا دواء مدعوم ولا استشفاء، والمرضى يموتون على ابواب المستشفيات، ولا نقل عام، ولا ضبط لأسعار المواد الغذائية، والاستهلاكية التي خرقت كل المحرمات… ناهيك بضياع فرص العمل واتساع دائرة البطالة وهجرة الشباب والكفاءات العلمية والمهنية الى الخارج… وهي ازمات يتفق على انها لم تأت من فراغ، وقد حطت من قيمة الدولة ودورها، وباتت تهدد الامن الاجتماعي، وغير الاجتماعي بمخاطر حقيقية، والبلد «مصلوب فوق خشبة النزاعات والصراعات الداخلية المعززة خارجيا…» وهو على ابواب استحقاقات داهمة، من ابرزها الانتخابات النيابية والبلدية، في الربيع المقبل.
قلوب دول العالم «الصديقة» و»الشقيقة» على لبنان وأهله، وقلوب اركان «المنظومة» القابضة على رقاب الحلول المطلوبة بإلحاح، على مصالحهم الشخصية والفئوية… ومع ذلك تتوالى الاتصالات الخارجية، المباشرة وبالواسطة، وعلى وجه الخصوص من «الأم الحنون» فرنسا، وقد ابلغت السفيرة آن غريو، رئيس الجمهورية ميشال عون «ان السعودية ودول الخليج، جاهزة للقيام بالخطوات المطلوبة منها…» وقد اكدت التزامها مساعدة لبنان «الذي عليه ان يثبت صدقيته في التزامه الاصلاحات المطلوبة… لا سيما الاصلاحات البنيوية التي تحتاج الى ادوات عمل لمواجهة هذه الازمات العميقة….» وعلى المسؤولين اللبنانيين ان يثبتوا صدقية التزاماتهم وبإلحاح، امام المجتمع الدولي وأمام الداخل اللبناني، ويجروا الانتخابات في موعدها الدستوري…؟!
يتحفظ عديدون على ما يشاع من مهاترات، خلاصتها «ان البيان الفرنسي – السعودي الاخير، الناجم عن زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون، للمملكة ولقاءاته قيادات بارزة، هو مجرد كلام سياسي – إعلامي، وهو يأتي في لحظة سياسية – اقتصادية – مالية – اجتماعية – معيشية – انسانية، بالغة الحساسية…» ولو ان ما ورد في متنه، قد يفوق قدرة ما تبقى من دولة ومؤسّسات على التنفيذ….؟!
ما لا شك فيه، ان إمساك الرئيس عون بشروطه ومطالبه، وإمساك اركان «المنظومة» برقبة لبنان، بات يشكل «خطرا وجوديا حقيقيا…» والمبادرة الفرنسية «ليست الاولى، ولن تكون الاخيرة، والمهم ألا تذهب «المنظومة والقوى السياسية المساندة لها»، بعيدا في العرقلة والتعطيل، خصوصا وأن لبنان، بكامل مكوّناته ومناطقه، بأمس الحاجة للخروج من «جهنم العونية..» بكل عناوينها ومضامينها وأهدافها وتداعياتها…؟!