Site icon IMLebanon

مواجهة الوجه الآخر لتمديد الإنهيار

 

لا شيء يدفع التركيبة السياسية الى نسيان حروبها الصغيرة لمواجهة تحديات مصيرية. لا إقتراب لبنان من إكتمال الإنهيار في معظم المجالات. لا الأزمة الوجودية التي تهدد بما سماه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان “زوال لبنان”. لا “عسكرة” بلد مفلس وجائع لمصلحة مشروع إقليمي على حساب العالم العربي. ولا مؤخراً حرب أوكرانيا وإنعكاساتها على العالم كله و”مبدأ” تحقيق المصالح القومية والإهتمامات الأمنية بالقوة، والذي يمكن أن يكون لبنان ضحيته المقبلة على يد هذه القوة الإقليمية أو تلك. فليس أكبر من الإنشغال بالإنتخابات النيابية والرئاسية سوى الإشتغال بزرع العقبات والألغام على طريقها. ولا أولوية تتقدم على إستخدام كل الوسائل للحفاظ على السلطة وإدارتها سوى أولوية الحرص سلفاً على ضمان القدرة على التعطيل عند الحاجة بالثلث المعطل أو بسواه.

 

والمفارقة هي الخلاف على توصيف من يحكم لبنان. “عوكر تحكمنا”، يقول السيد حسن نصرالله الذي كان جزءاً من مرحلة “عنجر تحكمنا”. الضاحية تحكمنا، كما يقول حلفاء “حزب الله” قبل خصومه، ضمن إعتراف جمهورية الملالي بأن “طهران تحكمنا” مع ثلاث بلدان عربية أخرى. المنظومة السياسية تحكمنا. المافيا السياسية والمالية والميليشيوية تحكمنا. ولا أحد في الواقع يحكم لبنان. هناك أكثر من طرف، أكبرهم “حزب الله” يتحكم بالبلد، ولكن من دون مسؤولية. فاللبنانيون متروكون لقدرهم، تحت أنظار المسماة سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية والرؤساء الأقوياء والأغنياء وأصحاب الصواريخ الدقيقة والمسيّرات: طوابير على محطات الوقود، غياب الكهرباء على الرغم من إنفاق نحو خمسين مليار دولار عليها، وتسلط “مافيا” المولدات على جيوب الناس. “خطط” الأمن الغذائي على شاشات التلفزيون فقط. لا أوراق في الإدارات لكي ندفع الرسوم لها. ولا مراقبة جدية على فلتان الأسعار وتكديس المحتكرين والتجار للأرباح.

 

والسؤال هو ما الفارق بين التمديد للمجلس النيابي وأهل المناصب هرباً من الناخبين وبين إصرار “الأقوياء”على إجراء الإنتخابات، مع منع التغيير وضمان الحفاظ على الأكثرية الحالية التي خسرت شعبياً بسبب دورها في تعميق الأزمات وإفقار الناس والتغاضي عن سرقة المودعين في المصارف؟ لا شيء عملياً. التمديد هو تمديد للإنهيار ومكافأة للفاسدين على الفساد وللمقصرين على التقصير. وإستخدام كل الوسائل بما فيها القوة والتركيب العجيب للوائح لمنع التغيير هو الوجه الآخر لعملة التمديد عبر تزييف “الشرعية”.

 

والسؤال الآخر هو: لماذا نطلب من أميركا التوسط في المفاوضات مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية ونفعل كل شيء لرفع العقوبات الأميركية عن أشخاص، ما دمنا في “محور الممانعة” الذي يعلن قادته أنهم ضد الترسيم لأنه إعتراف بإسرائيل التي يرفضون الإعتراف بها، ولو إكتملت تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي على كل الجبهات؟

 

يقول الإمام علي بن أبي طالب: “من العجز طلب ما فات مما لا يمكن إستدراكه، وترك ما أمكن مما تحمد عواقبه”. وهذا ما يفعله المتحكمون بنا ويسمونه حكمة وقوة.