IMLebanon

الإنهيار رهن استحقاقين: وقف غزو أوكرانيا و15 أيار

 

خلف الأزمة التي يعيشها لبنان اكثر من عامل داخلي وخارجي قاد الى ما هي عليه اليوم. وأمام العجز الكامل للدولة ومؤسساتها في قطاعات حيوية، برز حجم المساعدات الخارجية التي خفّفت من تردّداتها. وإنّ أبرز ما يهدّدها، يعني اننا سنتجّه بسرعة قياسية الى الهاوية. فالحديث عن الارتطام الكبير لم ينتهِ بعد. وعليه، فإنّ ما يبعد ذلك بات رهناً بوقف الغزو الروسي لأوكرانيا وانتخابات 15 أيار. وعليه كيف السبيل الى تبرير ذلك؟

تداولت وسائل الإعلام في الساعات الأخيرة الماضية بأقل نسبة من الإهتمام، ما جاء في البيان الصادر عن المنسّقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسّقة الشؤون الإنسانية في لبنان نجاة رشدي، التي اعلنت انّها سلّمت في 31 آذار الماضي «آخر قطرة وقود، كجزء من مشروع عمليات الوقود الطارئة للبنان، في إطار خطة الاستجابة للطوارئ (ERP) التي يتمّ تنسيقها من قِبل الأمم المتحدة (أوتشا) في لبنان ومجموعة من المؤسسات الدولية والأممية».

 

وعلى الرغم من وصف رشدي البرنامج الذي نُفّذ في مرحلة امتدت منذ الاول من ايلول 2021، بأنّه من «اكبر عمليات توفير خدمات الوقود في العالم»، فإنّ البرنامج الذي تحدثت عنه لا يُقاس بحجم التمويل الدولي لقطاعات أخرى في لبنان في مجالات اجتماعية وطبية وانسانية، وتوفير التغذية للأطفال والعائلات المشرّدة، وترميم ما خلّفه تفجير مرفأ بيروت في عزّ أزمة «جائحة كورونا» التي اجتاحت لبنان والعالم. ولذلك، فقد حصرت توصيفها بدقة متناهية عندما حدّدت نوعية المشروع وحصرت أهدافه. فقالت انّه كان من اجل «سدّ النقص الحاد في الوقود وتجنّب انهيار الخدمات الضرورية المنقذة للحياة»، بعد إشارتها الى دور المؤسسات الدولية التي موّلته في مواجهة «التحدّيات الكبيرة» التي واجهتها قطاعات حيوية كالمياه والمرافق الصحية، في لحظات طارئة وقاسية غير مسبوقة.

 

واستناداً الى ما تقدّم، أشارت مصادر ديبلوماسية غربية وأممية، الى انّ عدداً من برامج المساعدات المالية الطارئة لم تحظ بالتغطية الاعلامية بمختلف مراحلها، وإلى الادوار التي قامت بها اكثر من 36 دولة وحكومة تحرّكت بقوة عقب تفجير مرفأ بيروت وفي مواجهة تداعيات جائحة «كورونا». فعشرات المؤسسات الأممية والدولية والاقليمية بذلت جهوداً جبارة على مختلف المستويات. ولفتت الى أنّ هناك أطرافاً عدة تمثل دولاً وهيئات إنسانية كبيرة، لم تشأ التعبير عن حجم المساعدات التي حظي بها لبنان، غير آبهة بالأجواء التي سادت في بعض الأوساط، مدّعية أنّها كانت من الاموال المشبوهة او تلك التي تُستخدم في المجالات السياسية او الطائفية، لنصرة مجموعات لبنانية على اخرى.

 

وقالت هذه المصادر: «باستثناء المساعدات التي وصلت الى فئة محدّدة في لبنان، وعدّت بعشرات آلاف الصواريخ الذكية والمساعدات المالية المباشرة، فإنّ اكثر من ملياري دولار أُنفقت في لبنان منذ العام 2017 حتى اليوم في أكثر من قطاع. وهي تتجاوز المساعدات المعلن عنها عبر كثير من الجمعيات والمؤسسات المتخصصة التي انشأتها بعض الدول من دون أي «وسيط لبناني»، لتكون بديلاً من الأجهزة الرسمية التي لم تتجاوب مع متطلبات الأزمات المتنامية، ولم تُظهر أي قدرة على إدارة الأزمات والبرامج من هذا النوع، بسبب الفرز السياسي القائم في البلد ولأسباب اخرى مختلفة. وهي مؤشرات برزت بقوة منذ بدء النزوح السوري الى لبنان بعد العام 2013، وتحديداً المرحلة التي رافقت انتشار «داعش» السريع، من الأراضي العراقية والسورية الى اللبنانية، ونتيجة للعمليات العسكرية التي شهدتها المناطق الحدودية التي دفعت بمئات آلاف السوريين المدنيين الى الأراضي اللبنانية كما الى بقية دول الجوار السوري كالأردن وتركيا.

 

ولفتت هذه المصادر، انّ هذه الاموال لم تلحظ الأزمات المخفية التي لم تكن تعترف بها الدولة اللبنانية ومؤسساتها، سواء بسبب العجز او لأسباب مختلفة سياسية ومناطقية، جعلت من بعض أنواعها ومظاهرها، وكأنّها همّ مُلقى على عاتق حزب او طائفة دون غيرها. وبقيت بعض الأمور على هذا المنوال الى ان بلغت حدوداً غير مسبوقة مع تفاقم الأزمة الإقتصادية والنقدية في البلاد وفقدان العملات الصعبة وتراجع قدرة الدولة عن القيام بأبسط واجباتها تجاه مواطنيها والمقيمين على أراضيها بمعزل عن تلك التي استهدفت أزمة النزوح السوري والمجتمعات المضيفة له في مختلف المجالات، عدا عن المساعدات العينية والمالية المباشرة التي تسلّمتها عائلات فقيرة وإعادة إعمار أحياء ومؤسسات تعليمية وطبية، فهي لا تشمل أيضاً تلك التي تسلّمتها الاجهزة الامنية والعسكرية لجهة بناء قدراتها القتالية او اللوجستية والتقنية وتلك المستخدمة في الأجهزة المتخصّصة في مكافحة الجريمة المنظمة والمخدرات والعصابات وفي مواجهة الإرهاب والإتجار بالبشر.

 

على هذه الخلفيات، وبعيداً من الدخول في كثير من التفاصيل، فإنّ المراجع الديبلوماسية بدأت تحذّر في الأيام القليلة الماضية من مخاطر تراجع حجم المساعدات التي يلقاها لبنان لأكثر من سبب. وإن كان الغزو الروسي لاوكرانيا من أخطر المؤشرات التي تهدّدها، فإنّ تمدّد الأزمات الدولية والحَجر الذي فرضته الدول على المنتجات الزراعية والصناعية التي تأثرت بالحرب ومصادر صناعتها من المواد الاولية، فقد ألقت بثقلها على المجتمع الدولي ومختلف القارات، ما استدعى حالة من الاستنفار القصوى غير المسبوقة، وخصوصاً على مستوى الإنتاج الزراعي والحبوب والغاز والمشتقات النفطية التي تصدّرها روسيا وأوكرانيا والدول المحيطة بها، التي ألقت العمليات العسكرية عليها بظلها الثقيل.

 

ولا تتجاهل المصادر الديبلوماسية عينها الإشارة الى السبب الذي يمكن ان يتجاوز تداعيات هذه المعطيات المختلفة. فالحديث المتنامي عن وصول حوالى 11 مليوناً من النازحين الاوكرانيين الى دول الجوار الأوروبي والأبعد منها بقليل، ألقت بثقلها على المجتمع الدولي كاملًا. فقد بدأ بعض المؤسسات الدولية والحكومية تنظيم اعمال الهجرة الى بلد ثالث بعيد من القارة الاوروبية، وهو ما فرض مزيداً من التحدّيات على الاقتصاديات الكبرى. وإن شكّلت هذه الحقائق تعبيراً عن مظاهر ازمات اخرى متوقعة باتت على الابواب، فقد أثبتت ايضاً وجود قرار كبير بأنّ المجتمع الدولي ومعه مجموعة دول الحلف الاطلسي خصوصاً، قد أخذت على عاتقها مسؤولية مواجهة هذه الأزمة الناشئة بكل وجوهها. وهي تكلفة اضافية ستُضاف حتماً الى الكلفة الباهظة التي قرّرت الحكومات الاوروبية تخصيصها للخطط الدفاعية والتسلّح، وهي موازنات فاضت على أكثر من 300 مليار دولار على الدول الجارة لأوكرانيا وروسيا وبتكلفة مماثلة على الدول البعيدة التي أعلنت نصرتها للشعب الاوكراني وحكومته في مواجهة الغزو الروسي وتداعياته على دول المنطقة التي اقتربت من ان تعيش ما يشبه تداعيات الحرب العالمية الثالثة بفارق إحصاء عدد ضحاياها وحجم التدمير الذي لحق بمجموعة الدول التي كانت مسرحاً لها.

 

وقياساً على هذه المعطيات، فقد تبلّغ المسؤولون اللبنانيون حتى الأمس القريب تحذيرات جدّية من خفض المساعدات الدولية التي كان يُحتمل ان يحظى بها لبنان، لأنّ الحكومات والمؤسسات المانحة بدأت تتجّه الى معالجة أزمات كبرى على مساحة دول هي الأقرب من بلدانها ومن شعوبها، وستحظى بنسبة كبيرة من المساعدات الطارئة والتي ستحسم من تلك التي كانت مخصّصة للبنان ودول أخرى، ما عدا تلك التي تعني المؤسسات العسكرية والأمنية.

 

وعليه بُني الاستنتاج على انّ ما يخفف من عبء هذه المخاطر ان تتوقف الحرب في أوكرانيا في وقت قريب، ليعود نحو نصف النازحين الى بلادهم، على ان يستكمل اللبنانيون الاستحقاق الدستوري المتمثل بالانتخابات النيابية لإعادة انتاج سلطة تغيّر من النهج المعتمد في قيادة لبنان الى مجموعة دول «الممانعة»، ووقف أي توجّه يحول دون ترميم علاقات لبنان بالخليج العربي والعالم الحر، ليحتفظ بالحدّ الأدنى من المساعدات، قبل ان ينضمّ الى مجموعة الدول المعاقبة. فهل سيتعظ اللبنانيون؟