«ما كنت اظنني أحيا الى زمنٍ» أشهد فيه على انهيار وطنٍ، أقمناه في قلوبنا أكثر مما أقامنا في ربوعه، فنحن حملناه معنا عنوان عز وفَخار حيثما أودت بنا ظروف هذه الحياة وتقلباتها، حتى في زمن الحروب العبثية، بل خصوصاً في ذلك الزمن، أما هو فتخلّى عنا ونحن في أرذل العمر، كما يتخلّى عن الأجيال الصاعدة ويزج بها في القهر والمهانة والإذلال…
عفواً لبنان… أنت لم تتركنا، إنما «هم» الذين باعوك وطعنونا… مَن هم؟ إنهم الجماعة السياسية التي تحكّمت بنا وأوصلتنا إلى حيث نحن.
إن الانتخابات النيابية العامة التي مضى شهر وأسبوع على إجرائها فضحت نتائجها كل مستور، وأزاحت آخر ورقة تين عن العورات، وبيّنت كم أن هذا الطاقم السياسي، بما فيه من أذيال جديدة تدّعي الاستقلالية والتغيير، ليس فقط لا يستحق لبنان، بل يعمل على دفعه إلى آخر دركات الانهيار.
إن الاستشارات النيابية التي أُجريت، أمس، في قصر بعبدا تكشّفت عن أنانيات لا محدودة، وعن قصور فادح، وعن أحقاد تستعبد أصحابها قدْرَ ما تضرّ بالوطن، وعن لامبالاة مفرطة تجاه وطن وشعب يغرقان ويستنجدان ولا منقذ أو مجيب…
إن النواب لم يرشحوا أمس مَن يشكل الحكومة، قدر ما رشحوا الفراغ… ومن الواضح أننا نتجه إلى تعذّر التشكيل، ثم الفراغ الحكومي، فالفراغ الرئاسي… وما يترتب على ذلك من القضاء على ما تبقى من مقوّمات هذا الوطن الصغير، المعذّب، المنكوب بهذه القيادات السياسية الهجينة!
والذين استبدّت بهم النشوة فادّعوا، بعد الانتخابات، أنهم نالوا الأكثرية، أينهم؟ وإلى متى يخبّئون أكثريتهم وهم الذين أثبتوا عجزاً عن «التقليع» في الاستحقاقات كافة التي توالت منذ الانتخابات؟!.
لا نضرب في الرمل إذ نقول، بأسف شديد، إن لا قيامة للبنان ما دامت هذه الطواقم السياسية هي التي تتحكم بالبلاد وبرقاب العباد، سواء أكانت في داخل «السلطة» (وأي سلطة… يا عين!) أم من خارجها! هذه الطواقم التي انتفخت على حساب حقوق الناس، وانتشت من جيوب الناس، وشبعت من دماء الناس، وشيّدت العلالي على قهر الناس، واستمرت على جوع الناس وإذلالهم… هذه الطواقم ستظل تنتفخ فيما لم يبقَ في الناس إلّا الجلد والعظم، ما دام هذا النظام ليس فقط يغطي ارتكاباتها إنما بالذات لأنه يؤمّن لها الغطاء والشرعية لترتكب من الفساد ما ليس له سابق أو مثيل. وبعيداً عن النفاق والدجل، آن الأوان للبنانيين أن يختاروا بين النظام البائس ولبنان المنشود.
وما سوى ذلك ليس إلّا المزيد من الانقسام والشرذمة والفقر والمذلّة…