IMLebanon

ديبلوماسيون: أمامكم انهيارات إضافية قبل الحل!

 

أخطر ما يُسمع في بعض الأوساط الديبلوماسية، هو أنّ الأزمة في لبنان ما زالت في بداياتها، وأنّ أمام اللبنانيين مزيداً من الإقامة في «جهنم» قبل الوصول إلى الحل. طبعاً، يرفض كثيرون أن يصدّقوا ذلك، كما لم يصدّقوا أنّ الدولار سيرتفع من الـ1500 ليرة إلى الـ10 آلاف، فإذا به يتجاوز الـ100 ألف. وبعض خبراء البورصة البارعين توقّع يوماً أن يبلغ المليون ليرة في السنوات القليلة المقبلة، إذا بقي المسار على حاله، لكنه ربما يكون أسرع بكثير مما توقّعوا!

إنشغل المحلّلون في تفسير طبيعة الخلاف الفرنسي- السعودي حول لبنان. وانحازت القوى السياسية لهذا التفسير أو ذاك، وفقاً لمصالحها. فالقوى الداعمة لترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية أنحت باللوم على السعودية، فيما انطلقت سهام النقد من جبهة القوى المعارضة نحو فرنسا، بتهمة التنازل لمصلحة إيران.

 

الديبلوماسيون الذين يواكبون الملف يقولون: من حظ لبنان أنّه ما زال يتمتع بدعم فرنسا والسعودية على حدّ سواء، فكلتاهما تريدان مصلحة لبنان، ولو من زوايا مختلفة: فرنسا تعتبر أنّ التسوية المرحلية، وإن لم تكن مثالية، تبقى أفضل من الكارثة الآتية حتماً. فيما السعوديون يعتبرون أنّ الأوان قد حان لوقف مسار «الترقيع» الذي أوصل إلى الكارثة الحالية وسيقود إلى الأسوأ بالتأكيد.

 

إذاً، وعلى رغم من هذا التباين، الطرفان متفقان على أنّ ما ينتظر لبنان في ظل «الستاتيكو» الحالي هو اكتمال الكارثة ووصول الوضع إلى انهيار لا يمكن تصوُّره. ويقول هؤلاء الديبلوماسيون: الجميع يتلهّى بالبحث عن التسويات في السياسة، وفي تسمية رئيس للجمهورية، فيما السقوط يتسارع في مكان آخر، في المال والنقد والاقتصاد والإدارة العامة.

 

ولذلك، على اللبنانيين أن يخرجوا من وَهْمِ الأسماء في الملف الرئاسي. فماذا يمكن أن يفعل رئيس الجمهورية إذا تمّ انتخابه اليوم، في ظلّ هذا الانهيار؟ وأي أدوات وصلاحيات يمتلكها، ولو كان «سوبرمان» زمانه، ولو حظي بدعم القوى السياسية كلها؟ ومن أين سيأتي بعشرات المليارات من الدولارات إذا كانت القوى السياسية التي جاءت به إلى السلطة هي نفسها التي ترفض أي إصلاح سياسي أو مالي وتتهرّب من كشف خفايا الانهيار؟

 

يقول أحد هؤلاء الديبلوماسيين: الحل سيأتي في النهاية. لكن أمام اللبنانيين مزيداً من الانزلاق في مهاوي الانهيار قبل ذلك. وسواء كان هذا الانهيار مقصوداً، من صنع إرادات خارجية، أو هو نتيجة بديهية لفشل القوى السياسية، فمن الواضح أنّ الجميع يستثمر هذا الانهيار لمصالحه السياسية وتحقيق غايات معينة. وقد يكون من سوء أقدار اللبنانيين أن تتقاطع القوى السياسية على هذا الاستثمار. وكل منها يعتقد أنّ الآخر سيقول «آخ» أولاً.

 

عند وقوع الأزمة، كان يقول خصوم «حزب الله»: لا حلّ في لبنان قبل أن يتبدّل طاقم السلطة ويرحل الرئيس ميشال عون عن بعبدا. ومع أنّ الانتخابات النيابية حملت إلى المجلس نسبة وافية من «التغييريين» (المفترضين)، فإنّ شيئاً لم يتغيّر على مستوى السلطة. ولا تبدو الحكومة الميقاتية في صدد ابتكار المخارج من الأزمة، لا قبل الفراغ الرئاسي ولا بعده.

 

إذاً، ما هو المتوقع اليوم؟ وأي انهيارات ما زالت منتظرة لكي تنضج التسويات؟

 

يقول الديبلوماسيون: في الأساس، ظواهر الانهيار مالية ونقدية واقتصادية وإدارية وقضائية. وهذه الظواهر تعمّقت بسرعة فائقة منذ انتهاء ولاية عون في نهاية تشرين الأول. فسعر صرف الدولار كان آنذاك في حدود 36 ألف ليرة. وخلال أقل من 5 أشهر تضاعف 3 مرات تقريباً، على رغم ما تمّ استنفاده من احتياطات مصرف لبنان المركزي في محاولة لإبطاء الانهيار.

 

 

وعند انتهاء الولاية، كانت الإدارة العامة تمارس مهامها في الحدّ الأدنى، لكنها اليوم مشلولة. وكانت المصارف تفتح أبوابها على الأقل، لكنها اليوم مقفلة وتهدّد بالذهاب إلى خيارات أكثر صعوبة. وكانت مؤسسات التعليم العام تستعد لممارسة دورها، لكنها اليوم متوقفة تماماً. وأما القضاء فأصبح في أسوأ أوضاعه، فيما القوى العسكرية والأمنية تحاول بذل المستحيل للحفاظ على الأمن، على رغم من الظروف المالية السيئة.

 

ومع دخول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مراحل جديدة من مأزقه القضائي، سيتسارع انهيار الليرة بلا ضوابط. وحتى عمليات الترقيع التي كان يمارسها سلامة ستتوقف. وإذا نجح الأوروبيون في استدعائه إلى جلسات استماع خارج لبنان، فسيكون الفلتان النقدي أسرع وأشرس بكثير. وسيترك الرجل كل شيء ويتفرّغ للدفاع عن نفسه، ويقول للجميع: أرأيتم ماذا يحصل لكم من دوني؟

 

أي، ستبلغ الليرة قعراً لم يكن يتصوَّره أحد، ما سيدفع الناس إلى الجوع الحقيقي. وبالتأكيد، سيستفيد القطاع المصرفي من هذا الوضع ليعلن عن خيارات أكثر صعوبة، فيما الإدارة العامة ومؤسسات التعليم والقضاء ستصاب بالشلل التام، وسيرتفع الضغط على المؤسسات العسكرية والأمنية.

يعتقد الديبلوماسيون أنّ حالة من هذا النوع ستولّد انفجاراً اجتماعياً، وهم ما زالوا يعتقدون أنّ ذلك سيُترجَم بنزول الناس إلى الشارع مجدداً. وعلى نار الفوضى يمكن أن تنضج الحلول، لأنّ الجميع سيجدون أنفسهم عاجزين عن فرض الخيارات فيستسلمون. والقوى الخارجية، الإقليمية والدولية، هي التي ستعدُّ التسوية الجديدة، وما على اللبنانيين إلّا التنفيذ. ولكن يبقى السؤال: كم سيستغرق هذا العبور في نار جهنم، وكم سيكلف اللبنانيين؟