ما يهم لبنان مما يجري في المنطقة هو معرفة من أين يأتيه الفرج. هل من التوصل إلى توقيع الاتفاق النووي الإيراني؟ هل من التوصل إلى حلّ سياسي للحرب في اليمن ويكون مدخلاً لحل في سوريا فتكر السبحة لحل في العراق وليبيا، أم أن لا انفراج في لبنان إلا بواسطة اللبنانيين أنفسهم خصوصاً إذا طال انتظاره من الخارج؟ وهذا الانفراج يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية قبل أن يدخل الشغور الرئاسي عامه الثاني ويدخل لبنان دائرة الخطر سياسياً وأمنياً واقتصادياً، فما من بيت يكون صالحاً للسكن إذا لم يكن له سقف، ولا أسرة تبقى متآلفة ومتعاونة من دون وجود رأس لها.
لقد كانت سوريا في الماضي هي التي تتدخل وتختار رئيساً للبنان وتشكل حكومة تطمئن اليها وإلى سياستها الداخلية والخارجية على رغم أن غالبية اللبنانيين لم تكن راضية عن ذلك وكانت تشعر بنقص في السيادة والحرية والاستقلال والديموقراطية. لكن ايران التي ورثتها تفعل ما هو أسوأ، فاذا كانت سوريا تتدخل لاختيار من تريد رئيساً للجمهورية، فان ايران تتدخل لتعطيل الانتخاب معرضة بذلك لبنان لخطر الفراغ الشامل الذي قد يفتح أبواب الفوضى والسير نحو المجهول. فرئيس للجمهورية وإن كانت تختاره سوريا أسلم للبنان من تدخل ايراني لتعطيل انتخابه واشتراط أن يكون مرشحها هو المطلوب انتخابه وإلا فلا انتخاب. وهذا ما لم يسبق لأي دولة كانت تتدخل في شؤون لبنان أن فعلته، إذ انها لم تكن ولا مرّة تتدخل لتعطيل انتخاب الرئيس إنما لتأمين أكثرية نيابية للمرشح الذي تريد.
الواقع أن التدخل الايراني في شؤون لبنان الداخلية لا يقتصر على الانتخابات الرئاسية إنما يشمل كل نواحي الحياة فيه بما فيها السياسية والأمنية. ففي السياسة تعمل على تعطيل تشكيل الحكومات إذا لم يكن لحلفائها فيها الثلث المعطل بذريعة تحقيق “المشاركة الوطنية الصحيحة” في اتخاذ القرارات حتى وإن تحولت هذه المشاركة مشاكسة تعطل اتخاذها، واذا ما اتخذتها من دون موافقة حلفائها تعذّر على الحكومة تنفيذها، وهو ما حصل منذ العام 2005 إلى اليوم. وقد ورثت ايران هذا الاسلوب أو التدخل السلبي من النظام السوري عندما كان هو الحاكم الفعلي في لبنان. وفي الأمن تعمل على أن يكون تحت سيطرة مشتركة للقوات المسلحة للدولة ولجناح “حزب الله” العسكري، وإذا ما صار خلاف بينهما اهتز الأمن إن لم يكن في كل لبنان ففي المناطق التي يسيطر عليها الحزب، الذي تحول إلى شريك مضارب يأخذ من السلطة ما يريد ويرضيه ويحمّلها مسؤولية القبول بما لا يريد، بمعنى أنه يكون شريكاً في القرار السياسي وإلا عطل اتخاذه. أما القرار الأمني فيكون له وحده إذا لم يوافق عليه شريكه في السلطة…
والسؤال الذي لا جواب عنه حتى الآن هو: متى تفرج ايران عن الحل لأزمة الانتخابات الرئاسية؟ هل تفرج عنه عندما يتم التوصل إلى حل في اليمن؟ وهل يكون هذا الحل قريباً بعد وقف الغارات الجوية لـ”عاصفة الحزم”؟ ولكن ماذا عن العمليات البرية إذا ما استمرت واستعد لها الطرفان المتواجهان وعملت ايران على جعلها سياسية وليست مذهبية بمحاولة تحييد الدول الاسلامية غير العربية مثل باكستان وتركيا؟ وهل يتم التوصل بسرعة إلى حل في اليمن لا يكون فيه غالب ومغلوب، أم أن ايران تنتظر ما هو أهم أي توقيع الاتفاق النووي الذي تأمل في أن يكون أساساً لتقاسم مناطق النفوذ في المنطقة عوض تقسيمها فتكسب سلماً ما كانت تريد أن تكسبه حرباً بالحصول على النووي؟ وهل يكون لتطورات البحث عن حل في اليمن تأثير على سير المفاوضات حول الملف النووي، أو يكون لسير هذه المفاوضات تأثير على سير محادثات الحل في اليمن؟ وماذا عن طلب ايران رفع العقوبات عنها دفعة واحدة كي تستطيع إقناع الشعب فيها بجدوى تخليها عن السلاح النووي، ألا وهو تحسين أوضاعه الاقتصادية والمالية والاجتماعية؟ وماذا عن مصير التوصل إلى اتفاق إذا رفضت أميركا رفع هذه العقوبات إلا تدريجاً وفي ضوء سلوك ايران حيال دول المنطقة فلا تظلّ تعمل على توسيع رقعة نفوذها وتهديد دول الجوار؟
ثمة من يقول إن ايران إذا توصلت إلى عقد صفقة مع أميركا تعرف فيها حصتها في المنطقة فانها قد لا تظلّ مصرّة على رفع العقوبات دفعة واحدة إذ إن لهذه الصفقة فوائد تعوضها ذلك، ولا مصلحة لاميركا من جهتها في اندلاع حرب شاملة في المنطقة في وقت تعمل فيه على جمع كل الدول لمكافحة الارهاب وإلا بقيت من دون فعالية وجدوى مع وجود انقسام سياسي ومذهبي بين دول المنطقة يشعل حرباً واسعة فينمو الارهاب في ظلها ويتمدد. وثمة من يقول إن قرار مجلس الأمن الدولي حول اليمن سيكون نقطة انطلاق لايجاد حلّ عادل ومتوازن في اليمن ومن ثم في سوريا كي يصبح في الامكان مكافحة الارهاب صفاً واحداً، وإن وقف الغارات الجوية لـ”عاصفة الحزم” هدفه جعل ايران تدفع “الحوثيين” إلى طاولة الحوار للتوصل الى حلّ سياسي قبل أن يفرض الحلّ العسكري نفسه. فهل تكون “عاصفة الحزم” قد فتحت الطريق للحسم في ظل “العصا والجزرة”؟