في كتابه “عهد القرار والهوى” الصادر عام 1991، يتحدث الرئيس سليم الحص بشكل مسهب عن الدور الذي أدته “اللجنة السداسية العربية” عام 1989 وكانت برئاسة وزير خارجية الكويت في تلك الحقبة الشيخ صباح الأحمد الصباح، وساهمت في تهدئة الأوضاع نسبياً والى حد بعيد في فترة الانقسام في لبنان بين حكومتين، واحدة عسكرية استقال نصف أعضائها قبل أن تولد برئاسة العماد ميشال عون، وأخرى مدنية – سياسية برئاسة الحص، وذلك نتيجة عدم انتخاب رئيس للجمهورية نهاية عهد الرئيس أمين الجميّل عام 1988… ما أشبه اليوم بالبارحة!
وانتهى الأمر عبر الانقسام بكل ما تخلله من خطوط تماس وحروب تحرير وإلغاء وما شابه، بوثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ”اتفاق الطائف”. وفي مجال آخر، ثمة محطة مشابهة مطلع عهد الرئيس الراحل الياس سركيس عام 1978 تمثلت بـ”اللجنة الرباعية العربية” التي اجتمعت في قصر بيت الدين في أعقاب الصدام الذي حصل بين أحزاب “الجبهة اللبنانية” والقوات السورية في لبنان، وقد ضمت اللجنة الى لبنان ممثلين للمملكة العربية السعودية والكويت وسوريا، وهم وزراء الخارجية الأمير سعود الفيصل والشيخ صباح الأحمد الصباح وعبد الحليم خدام.
عاد مرجع سياسي بالذاكرة الى هاتين المحطتين، على خلفية التحرّك اللافت الذي قام به في الفترة الاخيرة أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح على الصعيد العربي والخليجي خصوصاً، وآخر تجليات هذا التحرّك كانت في الجولة التي قام بها وشملت قطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين قبيل اجتماع متوقع لدول مجلس التعاون الخليجي بهدف “رأب الصدع” ولا سيما بين السعودية والامارات من جهة، وقطر من جهة أخرى. وسبقت تلك الجولة زيارة قام بها أمير الكويت للسعودية حيث التقى الملك عبدالله بن عبد العزيز، في الاطار نفسه.
ولا يستبعد المرجع المذكور أن يمتد هذا التحرّك في مرحلة لاحقة ليشمل بعض دول المنطقة، ومنها لبنان، لثلاثة أسباب على الأقل:
“أولاً – لأن الحروب التي تحرق بعض الدول العربية من سوريا الى العراق وصولاً الى اليمن وليبيا، تتطلب تحركاً عربياً جدياً لوقفها،وصولاً الى قمة عربية تخرج بموقف عربي موحد بهدف السعي الى إنهاء تلك الحروب التي تقضي على البشر والحجر. ولا بأس إذا كانت البداية قمة عربية مصغرة تضم السعودية ومصر والكويت، على سبيل المثال.
ثانياً – لأن الوضع خطير واستثنائي ويتطلب تحركاً استثنائياً بدءاً برأب الصدع بين المختلفين، وصولاً الى الموقف الموحد الذي يكفل وضع حد للضغوط والتدخلات الخارجية، وما أكثرها…
ثالثاً – من خلال المشهد السياسي العربي الراهن، يبدو جلياً أن أمير الكويت يكاد يكون المسؤول العربي الوحيد الذي في استطاعته أن يستقل طائرته ويتوجه الى أي عاصمة عربية أو إقليمية، بما في ذلك سوريا وإيران، من دون أي حرج، وذلك بعدما تعطل نسبياً دور دول كانت تتميز بهذا الدور سابقاً.
ولبنان، معني بالتأكيد بأي تحرّك عربي ولا سيما انطلاقاً من تداعيات الحرب السورية بشكل يومي على أرضه وشعبه، أقله في الدفق الهائل للنازحين السوريين الذي تجاوز قدرة لبنان وإمكاناته، وكذلك انطلاقاً من التوترات والتفجيرات الأمنية الناجمة عن تلك الحرب ومحاولات استجرارها الى لبنان وخصوصاً في المناطق المتاخمة للحدود مع سوريا في الشمال والبقاع والجنوب.
وإذا كان الحديث عن دور عربي محتمل، يتقاطع مع تحليلات وتقارير ديبلوماسية تلقتها مراجع مسؤولة، فإن الجهة المعنية بهذا الدور تتحدث عن المسألة بتواضع مبدية استعداد الكويت ضمن امكاناتها للقيام بكل خطوة من شأنها توحيد الصف العربي “انطلاقاً من سياسة التوافق التي درجت على اعتمادها تاريخياً والتي وضعت الكويت في هذا الموقع الذي يتيح لها مخاطبة الجميع من دون استثناء”.
وسط هذه الأجواء، يدعو المرجع السياسي المشار اليه، الى بدء البحث الجدي للتحضير لقمة عربية في أقرب وقت ممكن، وإن مصغرة، بهدف الخروج بموقف موحد من الحروب التي تجتاح عدداً من الدول العربية، سواء جاء هذا المسعى من الكويت أو من أي دولة عربية أخرى يمكنها الاضطلاع بهذا الدور.
وأما على الصعيد اللبناني، فيرى أن على لبنان الدفع في هذا الاتجاه لكونه يدفع ثمن التناقضات العربية والاقليمية بأشكال مختلفة على أرضه سياسياً وأمنياً، واستمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية خير دليل، ناهيك بأن أي حل جدي للأزمات في لبنان على مرّ السنين، لم يكن ليكتب له النجاح من دون دعم دولي ورعاية عربية!