عندما تكون أولويات المسلمين خارجية
لبنان يواكب الصراع الإقليمي.. ولا يهتز أمنياً
تتدحرج كرة المخاوف من تداعيات الصراع المتأزم بين السعودية وايران وانعكاساته على لبنان. فالبلد يعيش منذ اكثر من عشر سنوات في منزلةٍ ملتبسة بين الحرب والسلم والانتظار المرّ لغلبة وجهة على اخرى. تميد الارض به مع كل نسمة سياسية. فكيف تكون حاله وقد هبت عليه عاصفة الصراع السعودي ـ الايراني؟
لم يتأخر بعض السياسيين عن اعلان مخاوفهم من تفلت الامور ورفع مظلة الامان عن البلد الصغير. لم يخجلوا من اعلان عجزهم واستسلامهم، حتى من قبل أن يحاولوا تحصين ما يمكن تحصينه أو معالجة ما يمكن علاجه. حوّلوا الصراع الاقليمي الى شأن محلي يدخل في صلب يوميات الناس. فأضيف الى هلع يومياتهم من الاوبئة الناجمة عن النفايات وروائح فسادها، هلع من نوع جديد: مآل العلاقات السعودية ـ الايرانية.
يعرف اللبنانيون تأثير التطورات الاقليمية والدولية على بلدهم. ومع ذلك يستهول بعضهم ذاك الاستسلام المطلق لقدر التوافقات والخلافات الاقليمية. «وكأن لا سلطة في البلد ولا دولة او مؤسسات تحميه وتحصنه»، على ما يشير اسقف ماروني «عتيق». الاسقف، وهو من المؤمنين بالعيش المشترك والمبشرين به والمدافعين عنه، يقول كلاما شديد القسوة عن «مواقف المسلمين، سنّة وشيعة، من التطورات التي تجري في المنطقة». برأيه أن «المسلمين اللبنانيين يعطوننا انطباعا أنهم يستخفون بالبلد، بحدوده وحضوره ودوره. الاولوية للقضايا الآتية من خارج الحدود، تماما كما للقرار الصادر من الخارج. الشيعة ينخرطون بالمشروع الايراني والسنة يدافعون عن المشروع السعودي. أما لبنان، كمشروع وطن وطموحات أهله وأحلامهم وحقوقهم بدولة ترعى مصالحهم، فيبدو تفصيلا هامشيا».
ينتفض الأسقف مستغربا «اي منطق هو هذا الذي يستدعي استنفار العصبيات والعصبيات المضادة وتجييش الغرائز والتهديد بسقوط هيكل الوطن على رؤوس الجميع نتيجة قرار او موقف او حكم اتخذ في بلد آخر؟ الا يكفي البلد توترات كي نصب الزيت على نار الخلافات المتقدة اصلا؟ ماذا يضيف او يبدّل من الوقائع والتطورات في العالم اذا انحاز حزب لبناني الى ايران وانحاز آخر الى السعودية؟».
ويضيف منفعلا: «كيف لا يخجل المسؤولون السياسيون عندنا من التهويل بامكانية انهيار البلد وإشعال فتنة او حرب فيه على خلفية الخلافات الاقليمية؟ الا يعرفون ان مثل هذا الكلام هو ادانة لهم واشارة لتقصيرهم وانشغالهم بامور كثيرة، فيما المطلوب واحد: تحصين البلد وسلمه الاهلي وترميم الدولة ومؤسساتها، بدءا من رئاسة الجمهورية وصولا الى ملء شغور اصغر وظيفة في الدولة».
يبدي الاسقف تخوفه من ان «يستدرج السياسيون، وخصوصا المسلمين، حروب الآخرين الى بلدنا». هو لا يُعفي السياسيين المسيحيين من «مسؤولياتهم الجسيمة في تحلل الدولة والتلكؤ عن القيام بواجباتهم، الا اننا اليوم في معرض استسهال إدخال لبنان في معمعة حروب اقليمية، قد لا تندلع عمليا الا على ارضنا. فقد اعتدنا ان ننوب عن الآخرين في اقتتالهم وصراعاتهم، فندفع الاثمان مضاعفة في حروبهم وسلامهم».
قلق الاسقف ومخاوفه من حروب وفتن تجد ترجماتها على الارض اللبنانية، لا يشاركه اياها مسؤول سياسي واسع الاطلاع. فهو يؤكد أن «البلد يتمتع بحد مقبول من الحصانة الامنية تسمح بالقول إن إشعال اي فتنة ليس بالسهولة التي يروّج لها بعضهم. فالاجهزة الامنية ساهرة وحاضرة ومستنفرة على كل الجبهات، في الداخل كما على الحدود. وهذه نقطة لا يجب الاستهانة بها، على الرغم من اهمية المظلة السياسية الضرورية للحفاظ على الاستقرار». يضيف المسؤول: «أما على المستوى العملي، فلا رغبة ولا قدرة لاي طرف سياسي الدخول في مغامرات أمنية معروفة النتائج سلفا. فالجميع متيقن انه خاسر في مثل هذه المواجهات التي لن تزيد الا في الانقسام وإضعاف الجميع، وفي طليعتهم القضاء على ما تبقى من مناعة وطنية».