أقل ما يقال حول مصير تأليف الحكومة بأنه يواجه أفقاً داخلياً وخارجياً مقفل الأبواب والنوافذ، وأن جسور التواصل بين أهل الحل والربط مقطوعة بالكامل، وأن منخفض سياسي بارد يسيطر على الساحة الداخلية في مشهد يوحي وكأن البلد تُرك لمصيره،وأن لبنان شطب من مرتبة الأولويات المدونة على الاجندتين الإقليمية والدولية، بمعني ان ما على اللبنانيين الا الاتكال على أنفسهم و«تقليع شوكهم بيدهم»، في خضم الغليان السياسي والعسكري الذي تعيشه المنطقة من أقصى يمينها إلى أقصى شمالها والذي ينذر بوقوع حرب القصد منها تغيير الخرائط الموجودة.
هذا المشهد المخيف الذي يتفاقم يومياً خصوصاً بين إيران والولايات المتحدة الأميركية يحمل على الجزم بأن أمر تأليف الحكومة في وقت قريب بات شبه مستحيل، وأنه بات أسير الصراعات الدولية من جهة، والتناتش السياسي والطائفي على المستوى الداخلي، وهذا يحتم على اللبنانيين التعايش مع الواقع الحالي والعمل قدر الإمكان لتجنب الانزلاق نحو الأسوأ على كافة المستويات.
لم يسجل خلال عطلة الأعياد أي تواصل بين المسؤولين وبقي الملف الحكومي مجمداً من حيث انتهى إليه في اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الجمهورية بالرئيس المكلف، والمعطيات المتوافرة لا تعطي أي إشارة بإمكانية الوصول إلى حل وشيك لهذا الواقع المعقد، مع الخشية من ان نكون قد عدنا إلى المربع الأوّل من التأليف، أي إلى ما قبل مسودة التوليفة الحكومية التي أعدّها الرئيس سعد الحريري والتي عرضها على رئيس الجمهورية الذي طلب اجراء تعديلات جذرية وجوهرية عليها إن من حيث التوزيع الطائفي أو توزيع الحقائب.
وإذا كان وفد مجلس الشيوخ الفرنسي الذي ستحط طائرته في مطار بيروت اليوم، حيث سيلتقي عدداً من المسؤولين اللبنانيين قد أوحى بأن المبادرة الفرنسية ما تزال قابلة للحياة وانه ما زال بالإمكان اعتمادها لخروج لبنان من مأزقه بشقّيه السياسي والاقتصادي، فإن المؤشرات الموجودة خصوصاً تلك المتصلة بالوضع المحموم في المنطقة تؤكد بأن إعادة تفعيل هذه المبادرة ستكون عملية شاقة غير محسومة النجاح، لأن الإصرار الفرنسي على عدم ترك لبنان والذي يعبر عنه في أكثر من محطة ومناسبة، لا يقابله أي مناخات إيجابية على المستوى اللبناني الداخلي، زائد ان الشروط الأميركية لإعطاء الضوء الأخضر للتأليف لم تتغير قيد أنملة، وهذا ما يعكس انطباعاً بأن الملف الحكومي سيبقى مجمداً إلى ما بعد استلام الرئيس الأميركي المنتخب جون بايدن مفاتيح البيت الأبيض.
وفد مجلس الشيوخ الفرنسي كما سيحط في بيروت اليوم سيطير خالي الوفاض
والسؤال الذي يطرح نفسه هل ستتحرك المياه الحكومية الراكدة هذه مع عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من زيارته إلى الخارج، وفي ضوء المواقف شبه اليومية للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الذي قام في الأسبوع الأخير الذي سبق نهاية العام المنصرم بتحرك بقي من دون أي جدوى؟
في هذا السياق تسارع مصادر سياسية متابعة إلى التأكيد بأن ما من جديد طرأ على الملف الحكومي خلال عطلة الأعياد، وأن السبب الذي أدى إلى الفراق مجدداً بين الرئيسين عون والحريري ما زال هو نفسه ولم يشهد أي تبديل لا من جهة رئيس الجمهورية ولا من قبل الرئيس الحريري.
ولذلك فإن أي تحرك جديد لا يحمل معه بذور توافق على توليفة حكومية لن يكتب له النجاح لا بل إن عدم القيام به يبقى أفضل إن على المستوى السياسي أو النقدي حيث يشهد سعر صرف الدولار ارتفاعاً بالتزامن مع كل كلام عن استمرار الخلاف حول التأليف.
غير أن هذه المصادر ترى ان الوضع على مستوى تأليف الحكومة لن يبقى على حاله إلى ما شاء الله،وأنه لا بدّ من إحداث خرق ما في جدار هذه الأزمة من شأنه ان يأتي بحكومة تكون قادرة على مواجهة ما يتهدد لبنان من مخاطر اقتصادية ونقدية ناهيك عن التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، والأوضاع المشحونة على طول الشرق الأوسط وعرضه، وهذا لن يتم من دون العودة إلى قاعدة تبادل التنازلات واقفال النوافذ على العوامل الخارجية التي تشكّل اليوم عقبة أساسية امام استعادة لبنان لحياته الطبيعية سياسياً واقتصادياً.
وتُنهي المصادر تشخيصها للواقع اللبناني ومن ضمنه الاستحقاق الحكومي بالقول أننا سنكون امام مرحلة انتظار مكلفة، وأن الشهر الأوّل من العام الجديد لن يكون فأله خيراً على لبنان حيث ستبقى الأمور من كل نواحيها على حالها إلى ان ينجلي غبار التصعيد الحاصل في المنطقة لا سيما على الجبهتين الإيرانية والأميركية، ناهيك عن ارتفاع منسوب المواجهة مع «كورونا» التي استطاعت ان تزيح عملية التأليف عن المشهد اللبناني ووضعها على رف الانتظار إن لم نقل النسيان.