كان برتولد بريشت يقول: “ليست محظوظة البلدان التي تحتاج الى أبطال”. لكن ما يضرب لبنان ليس فقط سوء الحظ بل أيضاً سوء السياسة والأداء. وما يلاحقه هو لعنة “قاعدة” جرى تكريسها قبل سنوات عنوانها: السلطة للأقوياء في طوائفهم. قاعدة ضد طبيعة النظام والتركيبة الإجتماعية للبلد، حيث الأساس هو التعدد داخل كل طائفة والتعددية في إدارة المؤسسات الديموقراطية. فهي فرضت الأحاديات داخل الطوائف وألغت عملياً التعددية في النظام، وقادت الى ما يعني ضمناً الإحتكام الى العدد.
و”سلبيتان لا تصنعان أمة” كما قال جورج نقاش. ومجموعة أحاديات لا تصنع تعددية.
ذلك أن اللبنانيين يدفعون أثمان مرحلتين من قاعدة السلطة للأقوياء. ثمن مرحلة التسوية السياسية الرئاسية، حيث فتح التفاهم أمام أطرافه باب التغول في المحاصصة واستباحة كل الحدود في التوظيف والصفقات والتغاضي عن السطو على المال العام والخاص. وثمن مرحلة السقوط المدوي للتسوية أمام التصويت الشعبي بالأقدام في الشوارع والساحات: الدوران في مأزق سياسي لا مخرج منه في الدستور اسمه تأليف حكومة. مأزق حكومي يقود الى مأزق حكم وبالتالي، الى مأزق نظام، وسط أزمات مالية وإقتصادية وإجتماعية هائلة يسد الخوف من الإصلاح وعلى المكاسب الفئوية نافذة الفرصة الوحيدة المفتوحة عربياً ودولياً لإنقاذنا منها.
والخطاب في الحالين واحد، سواء لتغطية التحاصص الجامع أو لتبرير الخلاف المانع: الدستور والميثاق والحقوق والصلاحيات وكل ما في الترسانة التقليدية من تعابير مفصولة عن الواقع. لكن استمرار الخلاف بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الشريكين في تأليف الحكومة على آلية الشراكة ودور كل منهما في ممارستها يجعلهما شريكين في اللامسؤولية حيال إنقاذ البلد الذي يغرق. ولهما بالطبع شركاء في اللامسؤولية، سواء منهم القادرون على التأثير، أو العاجزون عن فعل شيء، أو المعارضون الذين يفضلون الإنفراد في معارضتهم بدل العمل لتكوين جبهة معارضة واسعة وقوية تفرض تغيير اللعبة أو تغيير اللاعبين.
وليس قليلاً ما يقال عن أدوار وحسابات خارجية تعطل تأليف الحكومة، وتلعب بلبنان وأهله كورقة في صفقات لا أحد يعرف متى تحدث وكيف وما إن كانت ستحدث، أو كقاعدة أمامية في صراع عميق وصدام محتمل. لكن كل هذا، بصرف النظر عن نسبة الصحة والخيال فيه، يعجز عن منع حكومة لولا الإنسداد الداخلي.
أليس ما ينطبق علينا هو قول جورج مارشال عن الحرب الباردة: “كنا نلعب بالنار من دون أن نملك شيئاً ليطفئها؟”. الوقت حان لأن نتخلص من العقدة التي وضعها دومينيك شيفالييه بالقول: “عقدة اللبنانيين هي انهم من جهة مركز الكون، ومن جهة أخرى يشعرون بالنقص تجاه جيرانهم الأقوياء”.