IMLebanon

الألعاب الصغيرة واللعبة الكبيرة

 

تعدد الوسطاء والمشكلة واحدة: لبنان الرسمي مكرسح، لكنه قادر على إيذاء نفسه وشعبه، وعاجز أمام المصرّين على إيذاء أشقائه العرب وعلاقاته معهم. وليس الرهان على الرئيس ماكرون والفاتيكان وقطر وروسيا وأميركا والجامعة العربية ومصر للتوسط من أجل تسوية لأزمة العلاقات مع السعودية ودول الخليج سوى تمارين في العبث. فلا أحد يستطيع مساعدة لبنان على تسوية أزمة قاد إليها الطرف الذي يتحكم به. ولا أحد يتوقع من أركان السلطة الذين فشلوا في تسوية خلاف محلي بينهم أن ينجحوا في وضع مفتاح للتسوية في يد أي وسيط.

 

وهو خلاف عطّل مجلس الوزراء من أجل أن يفرض”الأقوياء”الخائفون مطلبين سورياليين في أي نظام ديموقراطي. أولهما أن يتولى الخائفون من التحقيق في إنفجار المرفأ “إختيار” المحقق والقضاة. وثانيهما أن “يختار” المرشحون الناخبين خوفاً من تصويت غير المقيمين، لأن “المهاجرين يصوتون بأقدامهم” كما يقال. الرئيس نجيب ميقاتي يلجأ الى معادلة سوريالية أخرى: “الحكومة ماشية لكن مجلس الوزراء مش ماشي”. وهو يعرف قبل سواه أن مجلس الوزراء مركز السلطة والقرار حسب الدستور، ومن دون إجتماعه لا قرار للحكومة ولا لرئاسة الجمهورية.

 

والأخطر هو الإنطباع السائد وحتى التسليم بأن مأزق لبنان ليس له مخرج داخلي بل خارجي، وبالتالي إنتظار التطورات الإقليمية والدولية. وليس هذا، بصرف النظر عن أسباب اللجوء إليه، سوى وصفة للغرق أكثر فأكثر في المأزق. فكما في لبنان كذلك في المنطقة والعالم: غياب توازن القوى. هنا إختلال في الوزن والتوازن لمصلحة قوة واحدة تهيمن في الداخل وتلعب دوراً إقليمياً ضمن”محور الممانعة” بقيادة إيران. وليس في الشرق الأوسط حالياً نظام إقليمي بل صراع على الأدوار والنفوذ بين أربع قوى تحاول ضمان حصصها في أي نظام إقليمي آتٍ. والعالم الذي خرج من نظام الجبارين ثم من النظام الأحادي الأميركي صار متعدد الأقطاب، ولكن من دون نظام عالمي.

 

روسيا صارت قوة عالمية وشرق أوسطية وجارة لبنان، لكن الدور الذي تطلبه لنفسها والمطلوب منها أكبر من إمكاناتها. أميركا التي تحدثت عن طموحات واسعة من خلال إستعمالها للقوة في أفغانستان والعراق عادت الى دور في الشرق الأوسط أصغر من إمكاناتها وفي الشرق الأقصى أكبر من قدرتها. والصين تتوسع بحذر وثبات عبر مشروع “الحزام والطريق”. أما القوى الإقليمية المستفيدة من اللانظام العالمي، فإنها تتصارع على تغيير الستاتيكو. إيران وتركيا وإسرائيل تتحرك بأكثر من طاقتها وتصطدم أو تتكيّف مع القوى الدولية. القوة العربية الباقية بعد الشلل الذي قاد إليه التلاعب بـ”الربيع العربي” تعمل بأقل من القدرات والإمكانات العربية. ومشكلة لبنان أنه متروك لقوة وحيدة تتصور أن المستقبل في المنطقة لمشروعها.

 

يقول أندريه مالرو: “الإنسان هو ما يخفيه”. وهذا ينطبق على سياسات القوى في اللعبة الكبيرة الدائرة.