Site icon IMLebanon

المسؤول الأول عن هذه الأزمة التاريخية داخلي..إنها الدولة اللبنانية بامتياز

 

المشكلة الأساسية الراهنة ليست سياسية ولا اجتماعية، ولا ناجمة عن حروب ولا قصف عدواني، مشكلتنا داخلية بالدرجة الاولى، والمسؤولية داخلية أيضاً بامتياز.

كنّا نودّ أن نتناول ونقترح الإستراتيجيات الإقتصادية والمالية التي يُمكن أن نتبعها لمواجهة هذا التدهور الإقتصادي والمالي المخيف والمقلق، الذي نعيشه في لبنان. لكننا رأينا اللبنانيين ينتظرون في طوابير الذل في محطات الوقود أو يترجّون للحصول على حبّة دواء، أو يتسوّلون لإيجاد علبة حليب لأطفالهم، وقرأنا في عيونهم المغرورقة بالدموع، الحزن، واليأس، والقهر والعذاب، وهم يتخبّطون من كارثة إلى أخرى، ومن نفق إلى آخر.

إذا وصل اللبنانيون الى هذه الدرجة من البؤس بحيث باتوا يشحدون الليرة اللبنانية والسنت الأميركي من أجل أن يعيشوا أو يتعايشوا مع الأزمة، فإنّ السبب الرئيسي هو فقط لأن الدولة اللبنانية هدرت وسرقت وحجزت إيداعات أموالهم، وهي خارجة عن أي محاسبة أو عقاب.

وإذا بات اللبنانيون عاجزين عن إيجاد أو شراء حبّة دواء لتخفيف أوجاعهم أو مواجهة أمراض مزمنة، فذلك فقط لأن الدولة لن تُسدّد متوجباتها للشركات المصنّعة في العالم، وتُسهّل عمليات التهريب وغيرها.

وإذا بات اللبنانيون من دون كهرباء حتى هذه اللحظة، وفي الظلام الدامس قريباً، فهذا ليس جرّاء قصف عدواني وإرهابي على منشآت الكهرباء، لكن فقط لأنّ الدولة استعملت مؤسسة كهرباء لبنان للهدر والفساد والتوظيف العشوائي ودمّرت أركانها.

وإذا لم يعد لدينا مرفأ في بيروت من أجل تصدير سلعنا ومعرفتنا ونجاحاتنا والتجارة المجدية، فهذا فقط لأنّ الدولة دمّرت بيديها في علم أو في جهل، إنفتاحنا على حوض المتوسط، كما دمّرت عاصمتنا في أكبر انفجار في العالم صُنع في لبنان.

وإذا لم يعد يتجرأ المجتمع الدولي على مساعدتنا إقتصادياً وإجتماعياً وإنمائياً، فهذا فقط لأن المسؤولين اللبنانيين هدروا وأفسدوا وتحاصصوا كل المساعدات، ودمّروا ما تبقّى من الثقة من هذه البلدان المانحة، وها هم ينظمون مؤتمرات إنسانية بدلاً من الإستثمارية إشفاقاً علينا.

وإذا شبابنا لا يزالون واقفين ليلاً ونهاراً على أبواب السفارات يتسوّلون تأشيرات السفر، فهذا لأنّ حلمهم الوحيد أصبح ترك البلد، فقط لأن الدولة اللبنانية دمّرت معنوياتهم وعنفوانهم وريادتهم، وحوّلت احلامهم إلى كوابيس.

وإذا لم يعد لدينا وقود لسياراتنا، ونقف ساعات للحصول على بضعة ليترات، ليس لأنه لا يتوافر وقود، لكن فقط لأن هذا الذهب الأسود يُهرّب ويُباع إلى خارج الحدود، من أجل تحقيق أرباح هائلة، فيما المواطنون يُرهقون ويتعذبون. والمسؤولية المباشرة تقع على عاتق الدولة بغية تأمين السلع الأساسية، ولا سيما حماية الحدود.

وإذا أصبح اقتصادنا مدمّراً ووصل إلى أدنى مقوماته، ليس بسبب حروب إقليمية أو حتى حرب داخلية، لكن لأنه فقط بسبب فساد السياسيين الذين بنوا بأيديهم أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية ومالية ونقدية في العالم، والتي هي داخلية بإمتياز.

في المحصّلة، هذا يعني أنه يا للأسف، إن المسؤولية الكبرى جرّاء هذا التدهور غير المسبوق وهذا الإنهيار التام، تعود إلى المسؤولين اللبنانيين والدولة اللبنانية، ومشكلتنا الأساسية داخلية بإمتياز. ومَن تسبّب بأكبر أزمات التاريخ في العالم، لم ولن يكون جزءاً من الحل.