لا غبار على أنّ المنطق الذي يتحدّث عن بلوغ الشعب اللبناني درك المجاعة الحادة، والانهيار الاقتصادي المروع في حال لم تشكّل حكومة لبنانية تتلقى المساعدات المالية من المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي، هو منطق صحيح. أما في حال استمرار الأحوال على ما هي عليها منذ 17 تشرين الأول 2019، فإنّ الآتي أعظم، والويل والثبور وعظائم الأمور سيعتلون عرش الفوضى العارمة والاضطرابات الأمنيّة في الوطن المنكوب.
في 18 حزيران 2021 تساءل باحث في معهد اميركان انتربرايز قائلاً هل يتجه لبنان نحو مجاعة؟ وقال الباحث مايكل روبين في مقالة بمجلة ناشيونال انتريست ان الطبقة السياسية في لبنان اخفقت لأنها فاسدة. في حين يقول مايكل يونغ من مؤسسة كارنغي وهو يعتبر من افضل المؤرخين للشؤون السياسية في لبنان، ان النخب السياسية في وطن الأرز تبدو مهتمة بكيفية تقسيم غنائمها والوصول الشخصي الى موارد لبنان اكثر من اهتمامها بتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
أما صحيفة تلغراف البريطانية فقد شدّدت بتاريخ 1 حزيران 2021 على ضرورة تشكيل حكومة في لبنان بأسرع وقت ممكن، لأنّ المجاعة التي اجتاحت لبنان في سنوات الحرب العالمية الأولى وذهب ضحيتها 200 الف من سكانه البالغين حينها نصف مليون تقريباً قد تتكرّر اليوم اي في الربع الأول من هذا القرن، وسيموت الناس في غضون أشهر حسب التلغراف البريطانية. وتحدّثت التلغراف الى الدكتور Martin Keulertz الأستاذ المساعد في برنامج الأمن الغذائي في الجامعة الأميركية في بيروت، فاعتبر انّ اللاجئين السوريين كان بإمكانهم شراء بعض الطعام في الماضي من قيمة المساعدة التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي، كبعض الحبوب والمعلبات واللبنة، والخضار والفاكهة، فيما كان شراء اللحوم الطازجة غير وارد. أمّا الآن، فإنّ اللبنانيين ان استمرت أوضاع بلادهم الاقتصادية سائرة نحو درجات أقوى من الانهيارين المعيشي والاقتصادي فإنهم حتماً سيحذون حذو اللاجئين السوريين وسيمسي الحصول على الغذاء الأساسي صعباً جداً، ويضيف الدكتور Keulertz بأنّ مجاعة 1915-1918 قد تتكرّر لأنه بحلول نهاية العام 2021 سنشاهد بأنّ نسبة 75 بالمائة من السكان يحصلون على معونات غذائية، ولكن السؤال المطروح هو ما اذا كان الطعام سيكون متواجداً كي يتمّ توزيعه، ومن المؤكّد اننا سنرى في الأشهر المقبلة القليلة بأم العين سيناريو خطيراً للخوف تتضوّر فيه الناس جوعاً ويموتون جراءه. وأوضح Keulertz أنّ احتمال انتشار الجوع في لبنان الذي يستورد 8 في المائة من طعامه، يدعو الى الهلع الشديد من الموجة الثانية من كورونا، حيث من المحتمل ان توافي المنيّة من يعانون من ضعف في جهاز مناعتهم في بلد يستمر عرضةً لتقلبات في الأسعار واستمرار انهيار العملة، حيث معظم المستوردين يُسدّدون بالدولار لشراء سلع يبيعونها في لبنان بالليرة.
وبتاريخ 17 تموز 2021، اشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف الى ان 77 بالمائة من الأسر اللبنانية لا تملك المال لشراء الطعام خلال شهر تموز الحالي. يقول مراسل صحيفة التايم البريطانية رتشارد سبنسر، بأنّ أسباب انهيار الاقتصاد اللبناني عديدة، وهي من حيث القيمة المطلقة أسوأ من انهيار وول ستريت، ووفق الكاتب سبنسر وحتى شهر تموز 2021، ذكرت منظمة اليونيسف بأنّ 77 بالمائة من الأسر ليس لديها المال الكافي لشراء الطعام. وينقل الكاتب عن أدهم المعماري وهو مدير مستشفى دار الزهراء في طرابلس، قوله أنّ حقيقة اضطراره لاستخدام السوق السوداء لشراء وقود المولدات هي أقل ما يقلقه. لكن الأمر الأكثر اثارة للقلق حسب الدكتور معماري هو أنّ ثلث أحبائه قد غادروا لتولي وظائف اكثر ربحاً في الخارج. كما يتمّ تهريب الأدوية الى الخارج وتخزينها ايضاً. وفي 4 آب 2021 تطرّقت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير نشرته الى تداعيات الوضع الاقتصادي المنهار الذي فاقمه انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020. وأشارت الصحيفة الأميركية الى انّ الاقتصاد اللبناني ربما لن يعود الى ما عليه من قبل، حيث علّقت كارثة انفجار المرفأ وتفشي فيروس كورونا قبلها، نزيف الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بلبنان منذ صيف 2019، وغدا اكثر من نصف اللبنانيين للخوف تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اكثر من 90 بالمائة من قيمتها امام الدولار، فيما ارتفعت اسعار المواد الأساسية الى اكثر من 700 في المائة. أمّا في المستشفيات فقد نفدت بعض أدوية جراحة القلب، ويبحث الموظفون عن الوقود والماء، حسب رئيس نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون. ويقول التقرير انّ لبنان الذي كان في العقود الأخيرة يسوده الهدوء النسبي في منطقة مضطربة يعيش الآن في ظلّ أعنف انهيار اقتصادي في القرن.
ويصنّف البنك الدولي ازمة لبنان على انها اسوأ من أزمة اليونان التي اندلعت عام 2008 وتسببت في تشريد عشرات الآلاف من الأشخاص ودخول سنوات من الاضطرابات الاجتماعية، وأكثر حدة من أزمة الأرجنتين عام 2001 والتي أسفرت ايضاً عن اضطرابات واسعة النطاق. ويقول البنك الدولي أنّ لبنان قد يأتي بعد تشيلي التي احتاجت الى 16 عاماً للتعافي من انهيارها عام 1926، واسبانيا خلال حربها الأهلية في الثلاثينيات والتي استغرق تعافيها 26 عاماً وقدر البنك انّ لبنان قد يستغرق تعافيه ما بين 12 و 19 عاماً.