IMLebanon

“صيف الغضب” و”خريف العهد”

 

العالم ليس مجرد” كاريتاس “يهرع الى تقديم المساعدات الإنسانية للبنانيين المنكوبين بسلطتهم. ولا هو غافل عن جذور الأزمة ومتجاهل لتقديم المساعدات السياسية التي تتهرب منها المافيا الحاكمة الهاربة من تحمل المسؤولية عن الازمة السياسية، وهي”أم الأزمات”الأخرى. وأشمل تشخيص للأزمة ما جاء في بيان مؤتمر باريس للمساعدات الإنسانية:”أزمة لبنان ليست قضاء وقدراً بل هي إفلاس فردي وجماعي وتعطيل للمؤسسات وتهرؤ نموذج للحكم أشاح بوجهه عن خدمة الشأن العام”. وليس أمراً قليل الدلالات في هذا الوضع المهترئ أن يصبح القاسم المشترك بين اللبنانيين على إختلاف المواقف السياسية هو الغضب والقلق. الغضب على المسؤولين وما يفعلونه بنا اليوم. والقلق حيال ما يمكن أن يصيبنا غداً.

 

ونحن في”صيف الغضب”. لكن الغضب ليس ثورة. والقلق ليس سياسة. فما ينقصنا هو تحويل الغضب والقلق الى سياسة وثورة. ونحن في”خريف العهد”. لكن من يتحكم بنا يتصور انه في”ربيع”المشروع الإقليمي الذي يعمل له. وما يحكمنا هو العجز المزدوج: عجز التركيبة الحاكمة، بحكومة أو من دون حكومة، عن إدارة الشأن العام حتى في أبسط الحاجات، قبل الحديث عن الامور الوطنية الأساسية. وعجز اللبنانيين عن تغيير السلطة.

 

حين كانت العاصفة تتجمع فوق لبنان في النصف الثاني من ستينات القرن الماضي قبل أن تنفجر الحرب في منتصف السبعينات، لم ندرك ما كان ينتظرنا في”لعبة الأمم”. لا بل كان كل طرف يقرأ في سيناريو اللعبة ما يتوهم أنها فرصة له. وكان من السهل على الرئيس شارل حلو أن يقول:”لا أعرف ما يحدث غداً، لكني أعرف ما يحدث بعد غد”. أما اليوم، فإن من الصعب على رئيس الجمهورية أو أي مسؤول كبير القول إنه يعرف ما يحدث غداً وبعد غد. والناس خائفة مما يحدث غداً، وخائفة أكثر مما يمكن ان يحدث بعد غد.

 

ذلك أن”العهد القوي”تحالف مع الطرف الذي يتصرف كأنه أقوى من لبنان. وبدل أن يلعب رئيس الجمهورية دور رئيس الدولة وجد نفسه مضطراً لأن يفعل ما يفعله رئيسا المجلس والحكومة: أن يمارس دور الطرف الضامن لمصالح فريق أو تيار. وهذا ما قاده الى خصومات سياسية مع معظم الأطراف، وبينها تلك التي دعمت إنتخابه، ولم يحافظ إلا على التفاهم مع”حزب الله”والدفاع عنه وعن سلاحه في الأمم المتحدة والجامعة العربية. فضلاً عن أن العهد ضحى بنفسه من أجل عهد لن يأتي. وهكذا انتهى، ولو بقي الرئيس في قصر بعبدا. وكانت أيام الفراغ الحكومي خلاله ماركة مسجلة.يقول المؤرخ نيال فيرغوسون:”الخيال هو تاريخ للمستقبل”. لكن ما يتعرض له لبنان ليس فقط العمل على تغيير تاريخه ضمن”تصحيح” التاريخ في المنطقة بل أيضاً حرمانه من أن يحلم ويتخيل أي تاريخ للمستقبل.