Site icon IMLebanon

لبنان في مواجهة احتمالات الإضمحلال والزوال

 

أهي بالقول والفعل… مقدمات تعج بها أجواء البلاد، وكأنها تنذر بحرب أهلية، لا تبقي ولا تذر. قمة التحريض والتسييس والإستغلال السلبي لأحداث الطيونة-عين الرمانة، قفزت إلى المسرح الوطني العام، وتجلّت في اقتتال مشين ومرفوض بكل المقاييس والإعتبارات، وهو قد وصل إلى حدود اقتحام من منطقة إلى أخرى مشفوعا بكل حساسيات المناطق التي سبق أن شهدت تاريخا حافلا بالعنف والتصادم الدموي الذي كانت له نتائج مزلزلة انطلقت من أجوائها المشؤومة، حرب أهلية طاولت لبنان بأسره طوال سنوات عديدة حفلت بالإحتراب والتصادم وأدّت إلى كمٍّ هائل من الآلام والدمار والخراب، وآلاف القتلى والمصابين من كل الفئات والجهات، ولم يتوقف أذاها العميق إلاّ بعد جهود محلية وإقليمية ودولية، فرضت على الجهات المتقاتلة توقفا عن الإقتتال، وسلما مفروضا بشتّى أنواع الضغوط المؤثرة، فكان أن نَعِمَ اللبنانيون بعد تحقّقها بهدنة لم تخلو من المتاعب والمصاعب والتصرفات الإنقلابية التي جوبهت بمحاصرة للقصر الجمهوري، وهجوم جوّي أدّى إلى سلسلة من التطورات التي أوصلت لاحقا، العماد عون إلى رئاسة الجمهورية بعد سنتين ونصف من التعطيل الشامل للحياة العامة والدفع باتجاه الوصول بالحكم إلى أيادي «العهد القوي». الذي تم تكريسه بعد معاهدة مار مخايل، غطاء محليا لبنانيا أولا ومسيحيا خاصة لموقع حزب الله واستهدافاته وتصرفاته، ومرت السنوات كلّها تقريبا على ذلك العهد الذي لم يترك أثرا واضحا ومنتجا وكابحا للتطورات السلبية التي طرأت على البلاد، وجرّتها إلى المواقع الخلفية وأوضاع التخلف إلى درجة الإنهيار الكامل والشامل. دون أن نغفل ما شهدناه وعايشناه قبل قرابة العامين، ممثلا بذلك الإنفجار الهائل الذي اقتلع من الوجود جزءا هاما من العاصمة بيروت وخلّف في أرجائها كل هذا الدمار الهائل الذي طاولها في مرفئها وفي تراثها وعمرانها ودورها الإقتصادي ، وخاصة خاصة، في شهدائها وآلاف المواطنين الذين أصيبوا في ذلك الإنفجار الآثم، وطارت بيوتهم وأرزاقهم مع هول المأساة ولواحقها، وتعاقبت بعد ذلك تطورات حفلت بالسلبيات والتعميات والمواقف المبهمة، ومع الأسف كان للفرقاء جميعا نصيب في حصولها وتفاقهم أجوائها حيث بدأت بمواقف متتالية ومتنوعة ومآخذ واتهامات حادة تناولت القاضي بيطار، متهمة أياه بتسييس القضية والخضوع إلى توجيهات الخارج الإقليمي والدولي وتغليب التصرفات الإستنسابية على من اختارهم حتى الآن لتوجيه اتهاماته واتخاذ إجراءات قضائية بحقهم وصولا إلى تجاوز أوضاعهم الحصانية، وإصدار مذكرات توقيف لهم، الأمر الذي لاقى تصرّفا مضادا من تجمع أهالي ضحايا ومنكوبي إنفجار المرفأ، تأييدا حماسيا لمواقفه وتوجهاته، وكانت لمواقف الحزب في الإعلام وداخل مجلس الوزراء وفي خطابات السيد حسن التي أشارت بشكل فاقع إلى مائة ألف مقاتل على استعداد لزحزحة الجبال من أساساتها، الأمر الذي أوقع ردات فعل غاية في السلبية بُذلت جهود حثيثة للملمة أثرها على السلم الأهلي وعلى أوضاع البلاد العامة وأسس بقائها ووجودها. الأمر الذي كانت له نتائجه المرفوضة بكل تفاصيلها ومقاييسها والصادرة بشكل خاص عن عمليات القنص والتعدي المسلح وأعمال القتل التي طاولت عددا من مؤيدي حركة أمل، وكائنا ما كانت مسبباتها، فالتعدي بالمجابهة بهذا الشكل وهذا المنوال أمر مرفوض ومرذول ولا يوجد له سبيل إلى التبرير على الإطلاق، ولا يعفي الفريق المواجه الذي وجد سبيله إلى الدخول إلى بعض مواقع وشوارع عين الرمانة مرتكبا بعض التعديات والتحديات التي نقلها الإعلام إلى المشاهدين والمتابعين مما ضاعف من مسؤولية الإسهام في إزكاء عنصر التحدي وإفساح المجال أمام ردات الفعل التي حصلت وأدّت إلى تلك الكارثة التي كادت أن تنقل البلاد إلى حالة التدهور الأمني بأقصى درجاتها وأخطارها التي كان بالإمكان أن تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية بالغةالأثر والخطورة.

 

 

ومع كل تعازينا الحارة بضحايا هذه الأحداث وشهدائها، ومع أخذنا بعين الإعتبار لتضامن حركة أمل وحزب الله في كل ما تعلّق بهذه الواقعة الأليمة، نقدّر في مطلق الأحوال جملة المواقف الساعية إلى لملمة نتائج الحدث الجلل، وحصرها في أضيق النطاقات الممكنة ومعالجتها بكل ما يمكن من حكمة وتبصّر وتحكّم بخطواتها المتوترة، ونتوجه في هذا الإطار إلى الرجل الحكيم والمرجع الوطني الدائم الرئيس نبيه بري ونقدّر مسارعة الكثيرين إلى لقائه وحثه والسعي إلى أن يكون له دور يتجاوز فيه جروح المأساة، ومن بينهم رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي طالب بأن نُحكّمَ القضاء في ما حصل، وأن نترك التحقيق للمحاكم المختصة وأن نتابع مع الرئيس برّي قضية الإصلاحات والمواضيع التي من أجلها تشكلت الحكومة والتي يجب ألاّ يعطل عملها بسبب تحقيقات المرفأ.

 

وبعد: رغم كل الحكمة والتبصر التي عولجت بها هذه المصيبة المستجدة من قبل عدد من حكماء هذا البلد ، وبالرغم من تأكيدنا على أن جهود الجميع تصب بكل عزم وحزم على لملمة ما أمكن من سلبياتها وتداعياتها، فإننا ندرك بأن خطرا ما زال يخيّم على الأجواء العامة، وأن التحدي يجرّ التحدي، وأن الجميع يدعون إلى تخطي كل الصعاب والعقبات التي تدفع باتجاه أي موقع أو تصرّف سلبي، ترفضه البلاد بكل غرقها المستفحل في مزالق الخطورة البالغة. القضاء يبقى مرجعا لا بد من وجوده وتعزيزه لحلّ الوقائع والأزمات المستعصية، ولبنان غارق في محيط هائل من تلك الأزمات التي تهدد وجوده وبقاءه واستمراره. السلم الأهلي معرّض لا سمح الله للخطر وللتدهور المدمّر، فلنهبّ جميعا لإنقاذه ولانتشال ما تبقى من لبنان وأهله ومجمل كيانه، من براثن الإضمحلال والزوال.