إذا وضعنا كل الحقائق المرّة التي نعيشها أمامنا، لا سيما النزف الكارثي المتواصل للشعب اللبناني، والشركات والإقتصاد، والإنهيار الذي يتوالى يوماً بعد يوم، فيما المسؤولون يغضّون الطرف عن هذا الوضع المأسوي، دافنين رؤوسهم في التراب عمداً كالنعامة، من دون اتخاذ أي إجراء أو قرار مباشر أو غير مباشر لوقف هذا النزف الخطر، يقودنا هذا الواقع إلى استنتاج واحد لا غير، مفاده أن هناك بعض المصالح، داخلياً وإقليمياً ودولياً لدى البعض لاستمرار هذا الانهيار الكارثي نحو الهاوية المخيفة.
علينا ألاّ ننسى وألاّ نتناسى، بأن الوضع الإقتصادي والإجتماعي، والمالي والنقدي، في أزمة منذ سنوات عدة، محققاً تراجعاً فادحاً وغير مسبوق. لكن، هذا التراجع كان في بداياته خجولاً ويتراكم من سنة إلى أخرى، وكنا نحذر من هذه المخاطر وندق نواقيس الخطر، مثل إعادة التصنيف الدولي وغيره، لكن لم يلق صوتنا آذاناً صاغية، ولم يجرؤ أحد على النظر إلى هذه المخاوف والمخاطر التي أصبحت حقيقة.
ومن ثم بدأ التراجع دراماتيكياً من شهر إلى آخر، ثم من أسبوع إلى آخر، حتى وصلنا الى نزف يومي، واليوم إلى تراجع من ساعة إلى أخرى. فهذا التراجع الإقتصادي الكارثي وهذه اللامبالاة تُشبه وتوصف بجريمة إجتماعية مبرمجة وممنهجة لا يمكن أ، يكون وراءها إلاّ مصالح عدة، البعض منها واضح والبعض الآخر مبهم وغامض. فالسياسيون المسؤولون يغضّون الطرف من دون اتخاذ أي قرار أو أي إجراء أو أي خطة إنقاذية في وجه هذا الإنهيار في نسبة العيش وكرامة المواطنين. ويشاهدون أهلهم يتضوّرون جوعاً ويتعذبون من دون أن يرف لهم جفن.
إنه مستحيل ومن غير الممكن أن يكون إنسان في العالم ينظر الى هذه الحقائق المرّة وهذا الإنهيار الإستثنائي، ولا يقوم بأي محاولة للمساعدة أو يتخذ شبه قرار أو يعطينا أي فكرة لخطة إنقاذية. الهيكل ينهار على رؤوس الجميع، وهناك من يشاهد ويقوم بحسابات ضيقة على حساب الشعب النبيل والشجاع.
لذا أمام هذا الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي الكارثي وأمام لا مبالاة المسؤولين والمقررين، إننا محكومون بأن نقبل الحقيقة المرة بأن هناك قطباً مخفية ومصالح مختبئة ومستفيدين مباشرين وغير مباشرين من هذا الإنهيار.
فمثلما واجهنا أكبر الإنفجارات في العالم في 4 آب 2020، نشهد اليوم نكبة من أكبر النكبات الإقتصادية والإجتماعية في الكرة الأرضية. فإن هذه المصالح السوداوية تبدأ بضرب كل القطاعات الإنتاجية ومن ثم شلل كل مؤسسات الدولة، إلى ضرب أعمدة السلطة القضائية، وتذهب إلى منع وإقفال منافذنا إلى الخارج. ونتخوف من متابعتها إلى الفراغ الدستوري وتأجيل الإنتخابات وجرّنا إلى الفوضى للمصالح المشبوهة عينها.
لا شك في أن هناك العديد من الذين يستفيدون ويفتعلون هذه الأزمات، لكن الذي يدفع الثمن فقط هو الشعب اللبناني والشركات والإقتصاد. إنهم ينسون أنّ مرونتنا وصمودنا ومواجهتنا لعدم الإستسلام، هي محفورة في تاريخنا وقلوبنا وأدائنا. إننا واثقون بأنه في وجه هذه المصالح السوداوية، هناك مصالح شعب أقوى من كل شر.