الهوى والشباب والأمل المنشود ضاعت جميعها من يديا (…)/
يشربُ الكأسَ ذو الحِجى ويُبَقّي لغدٍ في قرارة الكأس شيّا/
لم يكن لي غدٌ فأفرغتُ كأسي ثم حطّمتُها على شفتيّا.
(الأخطل الصغير بشاره الخوري)
استعدتُ هذه الأبيات الثلاثة للشاعر اللبناني الكبير لأنها تنطبق على الشريحة الكبرى من شعبنا، عنيتُ الشباب الذين يصدمهم، ربما أكثر من سائر اللبنانيين، ما آلت إليه أحوال بلدهم من تدهور شامل في مختلف متطلبات الحياة ومقومات العيش كذلك.
وكأنه كان ينقصنا ارتفاع سعير لهيب الحرب في أوكرانيا كي يطلعوا علينا، كلّ يوم، بموّالٍ جديد عن فقدان المحروقات والطحين (…) وأن «يزفّوا» إلينا «البشرى» بأنها مسألة ثلاثة – أربعة أيام قبل أن تعود طوابير الذل والعار الطويلة أمام محطات الوقود، والفوضى إلى السوبرماركات، (وقد عادت فعلاً) وكأننا لم نكتوِ بها قبل أسابيع معدودة.
إننا لا نعرف، وربّما لا نريد أن نعرف، لماذا مكتوب علينا أن نقع تحت الوطأة الثقيلة لهذا الأمر الواقع الذي يفرضونه علينا، بين حينٍ وآخر!
لقد «طحلونا»، منذ أشهرِ، بالوعود البرّاقة بأننا سننعم، في شهر شباط، الذي عبر، وأقصاه في شهر آذار الراهن، بالنفط والغاز يتدفقان إلينا عبر أنابيب الخطوط البرية… لنكتشف أن حالنا كمن يقبض بيده على العاصفة، وبأن هكذا حديثاً قد طُوي، فلا مَن يُجيب هذه السيرة على الألسنة التي ابتُلِعَت… ولا حتى مَن يأتي على ذكر هذا الإنجاز الموعود!
لقد أوصلوا الناس إلى الفقر المدقع والجوع، وإلى بطاقات الإعاشة، وإلى افتقاد الدواء، وإلى تبخر المرتبات والتعويضات وحقوق التقاعد، في وقت تطير الأسعار ارتفاعاً مجنوناً… فتزداد معاناة الناس الذين يقبعون في هذه الضائقة في ظلم غير مسبوق، وهم الذين يعجزون عن استرداد ودائعهم التي بات استردادُها من رابع المستحيلات… ويطلبون منهم أن يذهبوا، ذرافاتٍ ووحداناً، الى أقلام الاقتراع، ليجددوا إنتاج طبقة عشّش الفساد في رؤوسها.
أبيات الشعر الثلاثة التي أوردناها في مطلع هذا الكلام أطلقتها قريحة الأخطل الصغير (أمير الشعراء)، ولحّنها وصدح بها محمد عبد الوهاب (أمير المطربين) كانت تعبيراً عن اليأس من صدود الحبيب، أمّا اللبنانيون فيصدّهم الأقربون والأبعدون!.