IMLebanon

لا حلول دولية ولا تسويات إقليمية لإنقاذ لبنان!

 

في كتاب المؤرخ اللبناني المرجع كمال الصليبي «بيت بمنازل كثيرة» يقول الكاتب: إنه على الرغم من الانقسام الدائم بين طوائف الشعب اللبناني، فإن الجميع على وعي تام بهويتهم المشتركة وجميعهم يحرصون على الحفاظ عليها، وهذا لا يعني بالضرورة حفاظاً على البلد. ولم تكن جلسة مجلس النواب يوم الأربعاء قبل الماضي التي دعا إليها رئيس المجلس نبيه بري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية سوى دلالة على الوعي الجماعي لعدم المس بالهوية على الرغم من التفاوت في تعريف ماهية هذه الهوية.

 

لا يخفى على أي لبناني أو مراقب لأحداث لبنان والمنطقة أن «الثنائي الشيعي» وبشكل أدق «حزب الله» هو فعلياً من يحكم البلد بفائض قوته العسكرية وتماسك بيئته ودعم خارجي دؤوب لمشروعه. وعلى الرغم من هذا، فإن الحزب محكوم أيضاً بالتوازنات الطائفية الدقيقة الحساسة والتي لا يستطيع مسّها أو تغييرها بالقوة، على الأقل بالنسبة إلى التوازن مع المسيحيين؛ ولذلك فهو يصل إلى أهدافه ليس قمعاً وباستعمال قوتهن، بل باللعب على تناقضات الطوائف وأبناء الطائفة الواحدة. تبنى حسن نصر الله، الأمين العام لـ«حزب الله»، ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ليس لتمثيله أغلبية المسيحيين كما حصل مع ترشيح الجنرال ميشال عون، بل لمجرد أنه يركن إليه كحامٍ لظهر حزبه! وهو بهذا الترشيح صنّف فرنجية كمرشح تحدٍ يصعب وصوله إلى الرئاسة، وربما هذا جُل ما يريده «حزب الله». ففرنجية لن يكون طوع يده كما كان ميشال عون؛ بسبب شخصيته والأهم بسبب علاقته العائلية المميزة مع الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه ما يشكل خطراً لعودة بعض من النفوذ السوري الذي كان سائداً قبل اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، على حساب نفوذ الحزب الذي انتشر بعد انسحاب الجيش السوري. ويقول أحد المقربين من سليمان فرنجية إنه استشاط غضباً بعد تصريح نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم بأنه «إما فرنجية رئيساً أو الفراغ»؛ وذلك لإدراكه أن مواقف كهذه تجعل وصوله إلى المركز الأول مخلاً بالتوازن ضمن الطائفة، لكن لم نعرف ردة فعله عندما قال نائب من الحزب: لدينا برنامجنا ولدينا مرشحنا، آخذاً هذه العبارة من المثل المعروف «كوني جميلة واصمتي».

 

في الجهة المقابلة، تبنت الأحزاب المعارضة لـ«الثنائي» وحلفائه ترشيح شخص تكنوقراطي من خارج المنظومة الحزبية الوزير السابق جهاد أزعور، مدركين جيداً أنه سيكون صعباً وصوله إلى سدة الرئاسة لاعتباره مرشح تحدٍ سيؤدي وصوله إلى الإخلال بالتوازنات مع «الثنائي».

 

في الدورة الأولى من الاقتراع حصل أزعور على 59 صوتاً مقابل 51 لفرنجية، وهي دون الحد الأدنى من الأصوات الذي ينص عليه الدستور، أي 86 صوتاً، وعليه وبموجب الدستور ينتقل الاقتراع إلى دورة ثانية يصبح فيها الانتخاب بالأغلبية المطلقة، أي 65 صوتاً. وقد تم تعطيل النصاب من قِبل «الثنائي» وحلفائه لكي لا تحصل دورة ثانية ويتم انتخاب رئيس لا يحظى بموافقتهم، وهكذا بقيت سدة الرئاسة فارغة إلى أن تتوافق الأحزاب على شخص لا يشكل تحدياً أو مساً بالتوازن.

 

ليس من جديد في لبنان منذ تأسيس الكيان، فقط تغيرت الأسماء والعوامل الخارجية، إنه النظام الطائفي الذي يعدّ علّة العلل ولكنه في الوقت نفسه حافظ الهوية وضابط التوازن بين فئات الشعب اللبناني أو شعوبه، وهو يتوصل دائماً إلى الحلول التسووية. وفي كل أزمة للنظام، تتعالى أصوات مطالبة بالتقسيم والفيدرالية وهي لا تعدو تعبيراً عن غضب واحتجاج، ثم لا تلبث أن تنخفض عند التوصل إلى التسوية ليبقى لبنان «بيتاً بمنازل كثيرة».

 

على كلٍ، لم تفضح مهزلة انتخاب رئيس للجمهورية يوم الأربعاء قبل الماضي أي شيء، إذ لم يعد هناك من مستور، خصوصاً في ما يتعلق بـ«بيت البرلمان»، حيث طالت جداً إقامة رئيسه إلى درجة صار كأعمى يضرب بسوطه يميناً وشمالاً، وفي الوقت نفسه يتراءى له أن الصوت الذي يحمل رقم الفصل 60 هو السوط الذي يخاف منه.

 

كيف تحول الصوت إلى سوط! يخيف رئيس البرلمان الذي يجمع في شخصه وتفكيره كل ما يخالف الدستور؟

 

في أول خطاب له عندما صار رئيساً لمجلس النواب عام 1992 قال: «اليوم تنطوي مرحلة طالت 400 سنة من حكم الإقطاعيين». وكان يقصد إقطاعية آل الأسعد.

 

ليس مفهوماً عدم وقوف بعض النواب إلى جانب زميلهم ملحم خلف وهو يذكّر بري بمآسي الشعب اللبناني، فطلب منه بري السكوت ثم «مش عم أسمعك يا ملحم»، هنا لم يحتج زملاء خلف، كما لم يمنعوا رئيس المجلس من «التسلل» خارجاً، ضارباً بعرض الحائط ما ينص عليه الدستور. لا ينقص بري سوى أن يقول للبنانيين: الدستور أنا وأنا الدستور. لكن يبقى الدستور يلوح فوق رأس بري ولأن قصة إخفائه الصوت الرقم 60 صعب محوها، كان لا بد من بدعة طرح انتخابات برلمانية عامة.

 

نقل عن النائب إلياس بو صعب تبريره لدعوته هو وبري لانتخابات مبكرة: «ما هي الجريمة بإجراء انتخابات نيابية مبكرة؟»، مؤكداً أنّ «من لا يريدها هو من يخاف على كرسيه». إذن كل من يشرب فنجان قهوة مع «الثنائي الشيعي» يبدأ يزايد عليهما في التفكير مثلهما.

 

عندما انتهت تلك المهزلة التي كلف بها «حزب الله» رئيس «حركة أمل» نبيه بري بأن يضرب بفائض قوة الحزب، استرجع الحزب مبادرة فائض القوة يتحدى بها كل اللبنانيين المتوجسين شراً منه، ليثّبت لهم هواجسهم. وزّع فيديو لأحد رجاله ليهاجم إحدى القنوات التلفزيونية وليقول: «إنها تدافع عن نصابي المصارف وتهاجم القرض الحسن (مصارف الحزب)، تهاجم مخازن «السجاد»، الحلو بالموضوع انه لما يهاجمك الحرامي يعني أنك «آدمي» وتقصدك الناس لأنك نظيف»! يواصل ساعي بريد «حزب الله» تحديه بالقول: هاجموا مستشفى الرسول الأعظم والذي لا يعرف صار يعرف أن عند الحزب أهم المستشفيات المتطورة، هاجموا مدارس المهدي وصار الكل يعرف أن لدى الحزب سلسلة من الصروح التربوية الحديثة، هاجموا القرض الحسن فزادت زبائنه وفروعه؛ لأن الناس اكتشفوا أنها مؤسسة مالية تساعدهم وتحفظ أموالهم، تحدث عن صيدليات المرتضى التي فيها أفضل دواء وأرخص الأسعار.

 

و لم يخبرنا مندوب «حزب الله» أنه في مناطق يسيطر عليها الحزب تتم إعاقة وصول نور الشمس بسبب كثافة وعدد الأسلاك الممتدة والمتشابكة في الشوارع، حاجبة نور الشمس؛ وذلك لسرقة كهرباء الدولة كي لا يدفع «أشرف الناس» ما يتوجب عليهم.

 

وكأن لم يكف «حزب الله» و«أمل» ما لديهما من محطات تلفزيونية «المنار، الاتحاد، الميادين، إن بي إن»، حتى بدأ سليمان فرنجية مرشحهما في توفير كل مؤسسات الدولة، فها هو وزير الإعلام زياد مكاري الذي عيّنه سليمان فرنجية لأنه صديق ابنه النائب طوني فرنجية، الذي ما إن وضع يده على تلفزيون لبنان، (تلفزيون الدولة) حتى جيّره لتصريحات رجال الحزب ورجال «أمل»، يهددون اللبنانيين، إما الحوار الحجة للتصويت لسليمان فرنجية أو «اشربوا مياه البحر».

 

لطمأنة اللبنانيين يجب أن يعرفوا أن «الثنائي الشيعي» وبالأخص الحزب يريدون فكفكة وتسييل كل ما تبقى من مؤسسات الدولة لنسف التركيبة اللبنانية القائمة على التعددية، وإنه لا يوجد حل سحري أو تسوية إقليمية للحل في لبنان.

 

لبنان الآن غير موجود على الخريطة الإقليمية والدولية.