حال العقم الشامل هي ما يميّز هذا الزمن اللبناني الرديء مع أداء الطبقة السياسية المارقة التي استباحت البشر والحجر، وأسقطت لبنان عن عرشٍ لم يكن مقدَّراً لأي بلد سواه في المنطقة أن يرتقي إليه. والأنكى، وأيضاً الأخطر، أن الجماعة السياسية لا تكتفي بالإمعان في نهجها الهدّام إنما تزداد في تظهير ذاتها على أن كلَّ طرف فيها هو المنقذ وهو القديس وهو الوليّ المصطفى الذي اختاره رب العالمين ليقود هذا القطيع من الناس الذين «أنعمت» العناية الإلهية عليهم بهؤلاء القادة الميامين.
يحدث هذا في وقت تبدو حكومة تصريف الأعمال بتمنين الشعب البائس المعثّر بسلسلة من «الإنجازات» التي لا حدود لها، منها الإصرار على الارتفاع الممنهَج في الضرائب والرسوم المفروضة على ذوي الدخل المحدود وكذلك الذين لا مداخيل لهم على الإطلاق… أما الذين عاثوا في الأرض فساداً، فسرقوا أموال الناس وهرّبوها الى الخارج، وامتهنوا الكرامات، وحلّلوا المحرّمات، واستباحوا الحقوق والذمم فلا مَن يرشقهم بوردة، وهم ما زالوا يطلعون علينا، يومياً، بطلّاتهم البهية، ليمنّنونا بما يقدمون لنا من أعمال مبهرة.
ولا يقل عن هؤلاء وأولئك دناءةً وقذارة الكثيرون في القطاع الخاص الذين يسرقون آخر مقومات العافية في الناس، وعلى سبيل المثال، لا الحصر، بعض (والأصح الكثير من) المسؤولين عن المدارس والمعاهد والجامعات الخاصّة، وبينهم مَن يصفون أنفسهم بالإرساليات، والاتجاه الديني عموماً، الذين رفعوا الأقساط بنسبة عالية، وضيّقوا الخناق على أولياء التلامذة والطلَبة، بينما هم يتقاضون الأموال الطائلة من مؤسسات وهيئات وجمعيات اغترابية وخارجية وحتى من الدول، بدعوى تخفيف أعباء الأقساط.
أما عن التجار الذين «يأكلون» لحم الناس الحي فحدّث ولا حرج، في وقت يتحفنا الوزراء المعنيون بكلام سخيف ممجوج وكاذب.
وفي هكذا بلد هل نستغرب أن نصبح مهزَلةً في أنظار القريبين والبعيدين؟ وان نرى ما يُجرى من مسرحيات مضحكة/ مبكية في مسألة النزوح السوري المصيرية والمأساوية، وأن يُختصَر «نشاط» الطبقة السياسية الفاسدة والمرتكِبة (ازاء المبادرات الخارجية في الاستحقاق الرئاسي) وقفاً على الاعتراض، من دون أن يكون لدى الجماعة السياسية أي قدرة على ابتكار حلٍّ للمأزق، ومن دون القدرة على فرز «القوة الثالثة» من شخصيات مستقلة تحظى بالثقة والاحترام؟!.
فعلاً، هذا زمن الرداءة والرِدّة.