الاهتمام الكبير بتطورات الحرب العدوانية على غزة خطف الأضواء، ظاهراً على الأقل، عن الأزمات المتفاقمة، في لبنان، التي تشدّ الخناق على الأعناق حتى الاختناق.
ويودّع اللبنانيون سنة 2023 غير المأسوف عليها، بكثير من الخوف من المجهول/المعلوم الآتي، بعد أيام قليلة وقد تضاعفت همومهم الداخلية بإضافة همٍّ جديد يدهمهم بما تبقى لديهم من آمال وأمنيات عساها تأتيهم من المستقبل، وهو القلق الشديد المقرون بالمخاوف الكبرى ممّا قد «تتدحرج» إليه الأوضاع في الجنوب، وهي التي باتت، في هذه الأيام المصيرية، في تصعيد محموم ينذر بالشر الخطير.
ويرتفع منسوب الخوف ومستوى القلق وشدّ الأعصاب مع اللبس الذي يحوط بمسار الحرب التي لا تزال هناك على حماوة محدودة، مع تذكيرنا كلَّ يوم تقريباً، بأنّ سفاح العصر بنيامين نتانياهو وأركان حكومة حرب العدو لن يستكينوا ما لم يرَوا النار تشتعل في لبنان، عبر الجنوب، ليكون حريقها كبيراً جدّاً، مع العلم أن فلسطين المحتلة، مدناً وأريافاً ومرافقَ عامة وخاصة، ستشتعل فيها النيران أيضاً ولن تكون في منجاة منها.
ومع خطورة الأحداث جنوباً، وتداعياتها المصيرية، فإن اللبنانيين يجدون الوقت للتفكير في حالهم المأساوية، في بلدٍ تنهار مؤسساته العامة، ويتهاوى الخاصّ منها، وتتبخر أموال المودعين التي قرّرت المصارف أن تضع عليها رسوماً شهرية كبيرة (على كل حساب) من دون تقديم أي نوع من الخدمة المقابلة… أمّا المدارس والمستشفيات فيرتفع صراخ القيّمين عليها، وأمّا البنى التحتية فباتت إمكانات خدماتها صفراً وأحياناً كثيرة تحت الصفر (…).
وهذا الواقع المرّ يكفي في حد ذاته ليلقي بأثقاله الهائلة على عاتق اللبناني الواهن أساساً فكيف ستكون الحال إذا أضيف إليه الثقل الأكبر، إذا توسّعت دائرة حرب الجنوب لتطاول البلد بجغرافيته كلّها؟!.
وكان في ودّنا أن نطالب المسؤولين بأن يستنجدوا بأصدقاء لبنان وبأشقّائه أيضاً، ولكننا ندرك بداهةً أننا لم نترك شقيقاً من حولنا، وأن الصديق لم يعد ليوم الضيق، بعدما «نجحنا»، وبامتياز كبير، في أن نضع أنفسنا في عزلة موصوفة… وأمّا المسؤولون عندنا أنفسهم فهم، في غالبهم، مسؤولون بالفعل، عمّا نعاني من ويلاتٍ وكوارثَ ومصائب.