فعلاً بدأ العام الجديد وانتهى موسم العطلات وعاد الجميع إلى العمل بأمل جديد وزخم جديد ولكننا وللأسف لم نشهد وحتى كتابة هذه السطور أي تغيير لا في الممارسة ولا في الأسلوب وكأن السنة الماضية ومشاكلها تأبى أن تنكفئ إلى غير رجعة، وبغض النظر عن التبدّل الكبير في أوراق الروزنامة فإن المواعيد هي هي والشعارات التي مجّها الناس هي هي. حتى أن عظات رجال الدين ونصائح السياسيين من أجانب وأقارب وأهل بيت لم تزل على حالها، ربما هم يهابون التغيير أو التبديل وحتى لو كان ذلك نحو الأحسن، فالناس تخشى ما تجهله حتى ولو كان ذلك من أجل مصلحتها.
عشية الميلاد وفيه وبعده والترنيمة نفسها واللازمة لا تتبدّل، فبعض أهل الرأي ورواد السياسة الذين باتوا يفقهون بكل شيء ويصدقون كل شيء وذلك كقصة «جحا في المدينة» فكل ما يلمع يحسبه ذهباً وكل ما يسمع هو الحقيقة، حتى أن البعض منهم وللأسف الشديد يحاول إقناعنا وهم غير مقتنعون أن لبنان البلد الصغير بيده الحل والربط وبيده السلم والحرب، وهم نسوا أو تناسوا ان الحروب تندلع تبعاً لأجندات خارجية لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ومن الغباء الحديث ومن باب إلهاء الناس أن العدو بحاجة لحجة أو سبب كي يشنّ حربه علينا وأن اللبناني إذا أراد السلام فإن السلام سيتحقق – هكذا وبسحر ساحر – وهنا تحضرنا قصص الزواج البريئة التي باتت تشكّل مادة للتندّر، فالعريس وأهله يريدون تلك العروس وهم يتصرفون وكأن العرس قائم حتى أنهم بدأوا بتحضير اللوازم والنقول، والعروس آخر من يعلم. بربكم كفوا عن استغباء الناس فلا الحرب بيدنا ولسنا بالتأكيد من يصنع السلام إذ إنه وبكل بساطة من يصنع الحرب فهو نفسه الذي يقرر السلم. لم يبقَ أحد من مدّعي السياسة إلّا وأدلى بدلوه حول الـ 1701 وكأن هذا القرار سيأتي بالمن والسلوى وسيحقق السلم لنا، فيما الحل بعيد عنا وكل ذلك ما هو إلّا فصل جديد من مسرحية هزلية مملّة.
الرئاسة وحدها تخصُّ لبنان
بغض النظر عن التدخلات الخارجية والإقليمية والضغوط لمنع إجراء الانتخابات الرئاسية، إلّا أن الانتخابات الرئاسية اللبنانية تبقى شأناً لبنانياً بامتياز وذلك بشرط أن يقوم السادة النواب بدورهم في انتخاب الرئيس، أما إذا تخلّى النواب والمجلس النيابي عن دوره فعندئذٍ «لا حول ولا». فهذا الموضوع المهم لا بل الأهم من شأنه إذا تحقق أن يعيد القرار إلى الداخل ويغنينا عن تدخلات الخارج، وما عدا ذلك فإن أبوابنا ستبقى مشرّعة للتدخلات الخارجية. وهنا يطرح السؤال أين النواب الجدد التغييريين؟ الذين جاء بهم الشعب على عربة من ذهب لكي يساهموا في التغيير المنشود، أم أن اللعبة السياسية قد ابتلعت هؤلاء وأصبحوا وللأسف الشديد منتمين إلى محاور وذلك كي لا نقل زواريب.
بانتظار غودو
حركة موفدين ولكن بلا بركة، حتى أن الجميع بات بانتظار غودو الشخص الخرافي الذي في يده الحل والربط، والذي يصرّ الجميع على انتظاره عسى يقوم بدورهم الذي تخلّفوا عنه، الجميع يريد من غودو السلم ويريدون منه الغاز والبحبوحة والأهم هم يريدون من غودو أن يحل معضلة الرئاسة، فيسمّي لهم رئيساً يقومون هم بانتخابه. للأسف لقد أصبحنا هنا في المربع الأخير حيث بتنا بلا رأي، وكأن الذي يحدث يحدث على كوكب آخر غير الذي نعيش عليه. بالأمس استطاع المجلس النيابي ولو بأكثرية بسيطة من التمديد لقائد الجيش، وذلك بعد أن نزل الوحي على السادة النواب فحضر المقاطعون والمعترضون الذي تبيّن أن معارضتهم ومقاطعتهم تشكّل لعبة أشبه بلعبة «الغميضة» فتارة هم مبصرون وطوراً هم عميان. وبعيداً عن استنساخ ما حصل في المجلس النيابي من اجتماع وليس إجماع فينبغي على السادة النواب أن يهبوا لانتخاب رئيس لا أن يبقوا منتظرين إشارة من هنا وتعليمة من هناك. سقى الله الزمن الجميل الذي كان فيه لبنان سيد نفسه وكان ساسته وأصحاب الرأي فيه مضرب مثل في التحرر والممارسة الديمقراطية.
* كاتب سياسي