قبل فترة غضب «بعض» اللبنانيين٬ وسّوق غضبهم «بعض» الإعلام اللبناني٬ بسبب كاريكاتير خلاصته أن لبنان لا توجد فيه دولة الآن.
ثاروا وهاجوا وماجوا٬ وذكروا بتاريخ لبنان وحضارته وقوته٬ ولم يكن الخلاف حول هذه الأمور٬ فلبنان تاريخ وثقافة وحضارة مشرقة٬ إنما كان النقاش عن اللبنان الحالي٬ لبنان الآن٬ هل به حكم دولة٬ مؤسسات دولة٬ هيبة دولة؟!
لبنان بلا رئيس جمهورية٬ وبرلمان شبه معطل٬ وحكومة تغلي من الانقسامات٬ وهي الشكل الشرعي الوحيد الصامد حتى الآن من مؤسسات الدولة.
هذه هي الحقيقة٬ وهي حقيقة مرة. فعجز مؤسسات الدولة أو ضعفها أو غيابها٬ يؤدي لنتائج سيئة وخطيرة٬ منها تفشي أخذ الحق٬ أو ما يعتقد أنه الحق٬ باليد والقوة الشخصية والعائلية٬ والقفز على القضاء والجهات الضبطية.
هذا تماما ما حدث مؤخرا في جريمة بالغة الخطورة٬ حيث قام شخص من آل حمّية٬ وهي عائلة شيعية٬ اسمه معروف٬ بخطف شاب وقتله٬ من آل الحجيري٬ وهي عائلة سنية٬ ثأرا لما قال الوالد إنه لابنه الجندي المقتول والمخطوف على يد جبهة النصرة٬ محمد حمّية.
الأب خرج في الفضائيات اللبنانية٬ يسرد تفاصيل خطفه وقتله للشاب محمد الحجيري٬ ابن شقيق مصطفى الحجيري٬ مختار بلدة عرسال البقاعية.
الأب توّعد المزيد من آل الحجيري بالقتل٬ وتحدى سلطات الدولة كلها٬ وقال إنه في بيته٬ ولم يغادره٬ ومن يريده فليأِت إليه. اللافت أن الأب حصر دوافعه بالثأر الشخصي يبدو صادقا بهذا وقال إنه ليست لديه مشكلة طائفية مع السنة٬ فهم٬ كما قال٬ إخوة وأصدقاء٬ مشكلته شخصية مع بعض عائلة الحجيري.
لكن الواقع أن هذه الجريمة زادت الأمر اشتعالا بالبقاع الشرقية٬ التي هي أصلا تغلي بسبب وقوعها على خط النار السورية٬ فمن جهة جبهة النصرة٬ ومن جهة ميليشيا «حزب الله»٬ ومن جهة مأساة اللاجئين السوريين٬ وقد كان المغدور الشاب محمد الحجيري (22 عاما) يعمل في إغاثتهم مع مكتب الأمم المتحدة٬ وحين خطفه كان ذاهبا لاجتماع بهذا الخصوص.
تيار المستقبل أصدر بيانا استنكاريا ضد هذا الانفلات٬ وقال إن ترك الأمور على هذه الشاكلة «يفتح الباب على مخاطر تستهدف السلم الأهلي».
الدولة اللبنانية ممثلة بالقوى العسكرية عزلت عرسال٬ واستنفرت لمنع الاشتباك الأهلي٬ وتقول إنها تلاحق قتلة الحجيري٬ وإنه على الجميع التزام القانون. هكذا يقولون.
الحال أن هذه الواقعة نذير شؤم فعلا على سلم لبنان٬ العليل أصلا٬ مثلما كانت جريمة باص عين الرمانة كذلك في السبعينات٬ إن لم يْطِفها عقلاُء قوٍم…