لبـــنان قرر متابعة عملية عودة النازحـيـن بالتنسيق مع السلطات السورية
وزارة شؤون النازحين تعمل على وضع خطة شاملة وكاملة لعودة آمنة وكريمة
لا يزال المجتمع الدولي صامتاً إزاء مطالبة لبنان بتقديم المساعدة له على إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، حتى مع عودة الإستقرار الى غالبية المناطق السورية، فيما أصبحت استضافة النازحين تُشكّل عبئاً ثقيلاً على الحكومة اللبنانية واللبنانيين على جميع الأصعدة… ولهذا قرّر لبنان استكمال مسيرة إعادة النازحين على دفعات التي بدأتها المديرية العامّة للأمن العام برئاسة اللواء عبّاس ابراهيم وتمكّنت خلالها من إعادة أكثر من 173 ألف نازح سوري بهدف التقليل من أعداد المقيمين في لبنان، والتخفيف بالتالي من الميزانية التي يتكبّدها البلد جرّاء استضافتهم على أرضه منذ العام 2011… ويبلغ عدد النازحين السوريين حالياً بحسب المسجّلين لدى مفوضية اللاجئين 938.531 نازحاً سورياً، فيما هناك 550 ألف نازح غير مسجّلين بحسب الحكومة اللبنانية.
ومن ضمن الحملة الطوعية رقم 4 التي تشرف عليها المديرية العامة للأمن العام عاد أخيراً نحو 950 نازحاً سورياً الى بلادهم عبر معبري العبودية والمصنع، على أن تستكمل وتتكثّف خطوات العودة الطوعية خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. وتقول مصادر سياسية عليمة بأنّ لبنان قرّر متابعة عملية العودة بالتعاون والتنسيق مع السلطات السورية، كما مع الجانب الروسي الذي لم يوقف بدوره عمليات تسهيل عودة النازحين السوريين من كلّ من لبنان والأردن، من خلال المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين.
فانتظار لبنان أن يُقرّر المجتمع الدولي إعادة النازحين وإعادة إعمار سوريا، لن يجديه نفعاً، سيما وأنّ هذا الموضوع مؤجّل حالياً، على ما أوضحت، ومرتبط بالتالي بإيجاد الحلّ السياسي الشامل للأزمة السورية. وبما أنّ واشنطن متلهية اليوم بالترويج لما تسمّيه «صفقة القرن»، كما بالمواجهة العسكرية مع إيران، فإنّها ترجىء البتّ بالملف السوري الى أجل غير مسمّى. ومن هنا، فإنّ لبنان لا يُمكنه ربط مصيره ومستقبل أبنائه بمصير ومستقبل أي دولة أخرى، ولهذا يُتابع عمليات العودة للتخفيف من عدد النازحين السوريين على أراضيه قدر الإمكان.
وذكرت أنّه رغم عدم قيام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمساعدة لبنان على النحو المطلوب لتسهيل عودة النازحين السوريين، إلاّ أنّها قامت أخيراً بخطوة لافتة إذ وزّعت كتيبات على العائدين تتضمّن عناوين مراكزها ومكاتبها لتقديم المساعدات لهم في سوريا. علماً أنّ لبنان يُطالب الأمم المتحدة منذ فترة باستمرار تقديم المساعدات للنازحين العائدين من قبل المنظمات الإنسانية في مناطقهم لفترة أشهر عدّة الى حين تمكّنهم من استعادة حياتهم الطبيعية، ولا يلقَ أي تجاوب على طلبه هذا.
وعمّا أوردته المنظمة الدولية لحقوق الإنسان «هيومن رايتس ووتش» في تقريرها الأخير عن أنّ لبنان قام أخيراً بهدم البنى التي تأوي النازحين، واتخذ تدابير قسرية بحقّهم من شأنها تشديد الضغوط التي تجبرهم على العودة الى سوريا، في محاولة لاتهامه بإجبار النازحين على أرضه على العودة، وعدم ترك الخيار لهم، أكّدت المصادر نفسها أنّ المنظمات الدولية ترى بعين واحدة. فما يحصل في بعض الدول الأوروبية من ألمانيا التي عملت على ترحيل عدد كبير من اللاجئين السوريين لذرائع واهية عدّة، الى السويد حيث قامت بخفض مستوى الخدمات المقدّمة للاجئين بحجّة الإرتفاع الكبير في عددهم، وهو لا يُشكّل شيئاً نسبة الى عدد السكّان… الى ما جرى أخيراً في فرنسا إذ أجبرت الشرطة الفرنسية مئات اللاجئين السوريين على إخلاء منازل مهجورة كانت تعود للدرك الفرنسي قرب مطار أورلي، فأصبحوا يقيمون في العراء أو في خيم مؤقتة لرفض بعض الفنادق التي أمّنوها لهم استقبالهم وما الى ذلك، لا تُراقبه منظمة حقوق الإنسان، ولا تُسجّله، ولا تتهم الدول المعنية بالتالي بالعنصرية والتعصّب، علماً أنّها من دول اللجوء خلافاً للبنان الذي ليس بلد لجوء كونه غير موقّع على اتفاقية فيينا بشأن اللاجئين. وفيما يتعلّق بالبنى التي جرى هدمها في عرسال، فإنّ منظمة حقوق الإنسان على عِلم بأنّ النازحين لم يمتثلوا لقوانين السكن القائمة منذ فترة طويلة في البلدة، وقد قاموا بتجاوزها، لهذا طُلب منهم تفكيك منازلهم غير المطابقة للقانون، وهذا الأمر يحصل مع أي لبناني يتجاوز قوانين البناء في أي منطقة لبنانية، ولا يقتصر فقط على النازحين السوريين.
وفيما تقول المنظمة بأنّ المداهمات المتواصلة لمخيمات النازحين والإعتقالات الجماعية تجعل حياة هؤلاء لا تُطاق بالنسبة للعديد منهم، ممّا يجبرهم على العودة الى بلادهم، أشارت المصادر الى أنّه يحقّ للبلد المضيف أن يقوم بكلّ ما يُناسبه للحفاظ على الأمن والإستقرار في البلاد، وأنّ مثل هذه العمليات لا تتمّ إلاّ لإلقاء القبض على بعض المطلوبين من مرتكبي الجنايات والجرائم والسرقة والتعديات وما الى ذلك. ولهذا لا يُمكن اعتبارها أنّها تؤدّي الى جعل العودة «قسرية» بدلاً من أن تكون «طوعية»، علماً أنّ لبنان يتحفّظ على الطوعية ويستعيض عنها بعبارة «العودة الآمنة»، وهذا ما يعمل عليه الأمن العام بالتنسيق مع السلطات السورية لتأمين عودة آمنة للنازحين، إذ عليهم جميعهم العودة الى بلادهم مع عودة الإستقرار اليها، وانتفاء الظروف التي أدّت الى مغادرتهم لمناطقهم الأصلية التي زال فيها وجود أي خطر دفعهم الى الفرار منها الى لبنان.
وعن حماية العامل اللبناني والتبليغ عن العمّال السوريين المخالفين، فهذا أمر يدخل ضمن القانون اللبناني، على ما شدّدت، سيما وأنّ النازحين السوريين ينتهكون قوانين العمل، إذ لا يُمكن لأي عامل غير لبناني من ممارسة العمل من دون تأشيرات إقامة سارية.
في الوقت نفسه، فإنّ الخطوات التي اتخذتها وزارة العمل خلال شهر حزيران الفائت فيما يتعلّق بإضفاء الشرعية على الموظّفين الأجانب من قبل أصحاب العمل اللبنانيين كونهم يخرقون القانون، فيأتي، على ما ذكرت، المصادر، على خلفية وجود 1733 نازحاً سورياً فقط يملكون تصاريح عمل صالحة من بين جميع النازحين الموجودين في لبنان المسجّلين لدى المفوضية، وغير المسجّلين والذين يبلغ عددهم 1.488.531 نازح سوري. وهذا أمر لا يجوز لا سيما وأنّ قانون العمل اللبناني ينصّ على عمل السوريين في مجال البناء والزراعة والنظافة فقط، وليس في مختلف المجالات إذ يقومون بالحلول محل الشبّان اللبنانيين في أعمال ومهن كثيرة.
وإذ تشير دراسة للأمم المتحدة الى أنّ لبنان احتلّ المرتبة الأولى عالمياً بعدد النازحين الذين يستضيفهم على أرضه، فمقابل كلّ ألف مواطن هناك 164 نازحاً سورياً، تقول بأنّ 73 % من مجموع النازحين ليست لديهم إقامة قانونية، ولهذا لا يُمكن للبنان أن يقف متفرّجاً إزاء هذا الوضع غير السليم وغير القانوني، سيما وأنّه لم يعد يحتمل أعباء النزوح الهائلة، فيما النازحين السوريين أن يعودوا الى بلادهم خلال ساعات قليلة، وإيجاد أعمال عدّة لهم فيها.
ورغم أنّ حادثة قبرشمون قد فرضت نفسها على ما عداها من الملفات الملحّة من الموازنة الى مسألة إعادة النازحين السوريين، ذكرت المصادر أنّ وزارة الدولة لشؤون النازحين تعمل على وضع خطّة شاملة وكاملة لتأمين عودة كريمة وآمنة للنازحين السوريين لا بدّ من طرحها بعد الإنتهاء من وضعها على مجلس الوزراء، سيما بعد الإنتهاء من الموازنة العامة، واستئناف الحكومة لعقد جلساتها الوزارية.
عدد قليل من اللاجئين الذين تمت مقابلتهم لديهم إقامة قانونية صالحة، وبعضهم لم يُسجَّل لدى المفوضية. قال معظمهم إن التكلفة العالية للكفيل لبناني وبالتالي الحصول على الإقامة القانونية كانت عائقا أمام تجديد إقامتهم، إلى جانب رسوم التجديد السنوية للأمن العام البالغة 200 دولار أمريكي، والتي لا تزال مطلوبة في كثير من الأحيان على الرغم من أن الحكومة قد تنازلت رسميا عنها. وقال البعض إن المسؤولين يقولون لهم مرارا وتكرارا أن يذهبوا ويعودوا لاحقا.
قالت امرأة عمرها 24 عاما إنها وابنتيها تمكنتا من التسجيل في المفوضية، لكنها لم تتمكن من تسجيل زوجها وابنها، وقيل لها إنه يتعين عليهما العثور على كفلاء لبنانيين، «لكن زوجي لم يستطع تحمل كلفة الدفع للكفيل اللبناني وقد دخل هذا البلد بشكل غير قانوني، لذلك هو وابني ليسا هنا بشكل قانوني»
وفقا لتقرير مشترك بين المفوضية و»برنامج الأغذية العالمي»، فإن 69 بالمئة من أسر اللاجئين السوريين في لبنان في 2018 كانت تعيش تحت خط الفقر.
مُوِّل النداء الإنساني للمفوضية عام 2018 من أجل لبنان بنسبة 48 بالمئة فقط، ما ترك فجوة قدرها 1.194 مليار دولار أمريكي. قال بعض اللاجئين الذين تمت مقابلتهم إن المفوضية قد أوقفت أو قلصت المساعدات الإنسانية. قال رجل عمره 63 عاما ويعيش مع زوجته و7 أطفال في مخيم العقبة:
توقفت المفوضية عن إعطائنا مساعدات إنسانية. اعتدنا أن نحصل على 369 ألف ليرة لبنانية حوالي 246 دولار أميركي، ما يعادل 27 دولاراً أميركياً للشخص الواحد شهريا ثم توقفوا تماما قبل 6 أشهر. ذهبت زوجتي إلى مكتبهم في زحلة للشكوى. قاموا بمسحٍ لبصمة عينها، إلا أنهم لم يوضحوا لها سبب قطع المساعدات عنا.
حتى أولئك الذين يتلقون المساعدات قالوا إنها أقل من السابق. قال رجل عمره 70 عاما في مخيم العقبة في عرسال:
لماذا أوقفت المفوضية بطاقة الغذاء؟ كانوا يعطوننا الكثير من المساعدات، لكن في الوقت الحاضر 27 دولاراً أميركياً لكل شخص شهريا لا تكفي. نحن مفلسون بسبب ارتفاع الأسعار في المتاجر هنا
تكرر ذكر عدم كفاية المساعدة الإنسانية. في بر الياس، سهل البقاع ، قالت امرأة عمرها 49 عاما ولديها 5 أطفال وزوج مفقود في سوريا.
عليّ دفع إيجارا شهريا 85 ألف ليرة لبنانية حوالى 57 دولاراً أميركياً. لا يمكنني الدفع لمالك العقار. أنا غارقة في الدين. أتلقى حوالى 200 ألف ليرة لبنانية 133 دولاراً أميركياً، ما يعادل 27 دولاراً أميركياً للشخص الواحد من المفوضية شهريا لي وللأطفال الأربعة دون سن 18 عاما. الآن ابني البالغ من العمر 18 عاما هو والد الأسرة. يعمل بجد لساعات طويلة، لكن ليس لديه كفيل لبناني ويستغله صاحب العمل، ملابسه قديمة وممزقة وهو دائم التعب. يكسب 100 ألف ليرة لبنانية 67 دولاراً أميركياً أسبوعيا، وما زلنا لا نملك ما يكفي لتأمين الطعام.