Site icon IMLebanon

«حوارات لبنان» بعمر الأزمة ومصيرها واحد

 

 

 

اجتماعات 39 عاماً منذ «هيئة الحوار الوطني» في 1976 إلى «حوار بعبدا» 2008 معظمها فشل إما لعدم تنفيذ المقررات أو نقضها.

يقف الاستحقاق الرئاسي في لبنان معلقاً على حبال طاولة حوار يصر رئيس مجلس النواب نبيه بري مدعوماً من «حزب الله» على انعقادها كشرط أساس للذهاب إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وفي مقابل رفض قوى المعارضةلما اعتبرته خروجاً عن الدستور وخلقاً لأعراف جديدة يتسلح بري بحوارات شهدها لبنان منذ «اتفاق الطائف» في مواجهة أكثر من أزمة، ويختصر الموقف بربط مصير جلسة الانتخاب بالحوار أو لا رئيس.

 

والدعوة إلى حوار وطني في لبنان اليوم ليست الأولى، فقبل عهد بري وخلاله حصلت دعوات عدة إلى البحث في مواضيع مختلفة لا إجماع عليها بين الأفرقاء السياسيين، وعلى رغم توصل بعضها إلى اتفاق، فإن معظمها فشل إما بسبب عدم تنفيذ المقررات أو بسبب نقضها من القوى السياسية التي شارك بالأساس بها، كما حصل مع «إعلان بعبدا» الذي اتفق عليه في عهد الرئيس ميشال سليمان، لكن عاد وقال عنه رئيس كتلة «|حزب الله» النيابية النائب محمد رعد عبارته الشهيرة «بلوه واشربوا ماءه»، وهي عبارة لبنانية شهيرة مفادها هنا بأن لا قيمة لهذا الإعلان.

فبماذا يختلف حوار بري اليوم، وهل قادت الحوارات السابقة إلى نتيجة؟

على مر السنين

منذ «هيئة الحوار الوطني» التي شكلت عام 1976 في عهد الرئيس سليمان فرنجية لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية ووضع أسس للإصلاح السياسي للنظام اللبناني، إلى «هيئة حوار بعبدا» في عهد الرئيس ميشال سليمان عام 2008 للبحث بالاستراتيجية الدفاعية وسلاح «حزب الله»، 39 سنة من الحوارات المتتالية لأزمات لبنانية شهدها بلاد الأرز منذ عام 1975 حتى اليوم.

كانت «هيئة الحوار الوطني» بمثابة أول طاولة حوار بمشاركة  20 شخصية من القوى السياسية اللبنانية المتناقضة، وكانت الآمال المعقودة عليها كبيرة بعد مرحلة الحرب، لكن ما تحقق كان دون حجم هذه الآمال، وانتهى عملها قبل أن تحل الأزمة التي أنتجتها الحرب الأهلية، بعدما اتضح أن أزمة لبنان متشعبة بامتدادات إقليمية ودولية يصعب حلها، وتلت «هيئة الحوار» الأولى اجتماعات أخرى برعاية دولية مثل جنيف ولوزان، وكلها لم تفض إلى نتيجة إذ استمرت الحرب بأشكال وظروف أخرى على رغم «حكومة الوحدة الوطنية».

 

ومن «هيئة الحوار الوطني» إلى هيئة الإنقاذ الوطني في عهد الرئيس إلياس سركيس في ظل الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، جلسات من الحوار بين مختلف القوى السياسية لم تحقق أكثر من تبريد الأجواء. حتى أطل مؤتمر الطائف عام 1989 في السعودية، الذي على رغم تعثره في البداية وعدم تطبيقه بشكل كامل، فإنه فرض هدوءاً على الحياة السياسية اللبنانية نسبياً بعد انتهاء الحرب الأهلية، بمساعدة من سوريا التي أمسكت بالقرار اللبناني بكامل تفاصيله وأبعدت كل من يعارضها إما سجناً أو نفياً أو قمعاً.

بعد عام 2005

بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في عام 2005 دخل لبنان حالاً من الانقسام العمودي، بين ما كان يعرف بـ»8 آذار» الحليفة للنظام السوري و»14 آذار» المناهضة له. وفي عام 2006 عقدت أول طاولة حوار برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري استمرت على تسع جلسات، سبعة منها حضرها الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله، واتفق خلالها على ميثاق شرف لتخفيف الاحتقان السياسي، وعلى نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات خلال ستة أشهر، لكن القرارات بقيت حبراً على ورق ولم تنفذ.

مع استمرار الاغتيالات مستهدفة قيادات من قوى «14 آذار» في السنوات التي تلت، وبسبب الخلاف على ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أنشئت للنظر باغتيال الحريري، دعت وزارة الخارجية الفرنسية إلى حوار في يوليو (تموز) 2007 في سان كلو في فرنسا، وشارك فيه 14 نائباً ممثلاً القوى السياسية، ولكن لم يصلوا إلى نتيجة.

سليمان يتذكر

بعد اتفاق الدوحة عام 2008، والذي أتى في أعقاب أحداث 7 مايو (أيار) الدامية في بيروت من العام نفسه، تم انتخاب قائد الجيش حينها العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وبعدها استؤنف الحوار الوطني بدعوة منه في قصر بعبدا.

لم يشبه هذا الحوار الذي جمع 19 شخصية، من بينهم سياسيون ومفكرون وممثلون عن المجتمع المدني، غيره من الحوارات بخاصة في ما نتج عنه من اتفاق سمي بـ»إعلان بعبدا»، وذكر للمرة الأولى «تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والأزمات الإقليمية»، وسجل كوثيقة في الأمم المتحدة ولدى جامعة الدول العربية، وعلى رغم ذلك لم يصل إلى مرحلة التنفيذ بعد رفضه من «حزب الله» الذي كان رئيس كتلته وقع عليه بنفسه، فكان المثال الأوضح لانقلاب القوى السياسية على مقررات أي حوار. وعلى رغم ذلك «يبقى الحوار أفضل من غيابه»، وفق رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، الذي قبل أن يكسر صمته «الإعلامي» استثنائياً للحديث عن تجربته في الحوار، في حديث خاص مع «اندبندنت عربية».

 

يعتبر الرئيس سليمان أن الحوار الذي يدعو اليه الرئيس بري يختلف عن طاولة الحوار أو «الهيئة الوطنية للحوار» التي دعا إليها في بعبدا، فالأول هو حوار بين النواب للاتفاق على اسم الرئيس، أما الثانية فبين شخصيات سياسية وأصحاب فكر ومجتمع مدني، منتقداً فكرة خلق هيئة ثانية رديفة في وقت لدى النواب المجلس النيابي والهيئة العامة للتحاور داخلها أو على هامشها في مجلس النواب، مع تفضيله فكرة عدم مقاطعة الحوار والمشاركة بشرط عدم مناقشة أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية، وحصر النقاش بأهمية وضرورة انتخاب رئيس وآلية الجلسة.

ويشدد سليمان على أن النظام اللبناني التعددي المرتكز على ميثاقية محددة يفرض أن يترافق عمل المؤسسات دائماً مع حوار لا يقرر ولكن يقنع المشاركين الذين يمثلون مجلس الوزراء ومجلس النواب، ويعود سليمان بالذاكرة إلى وصف للراحل غسان تويني الذي كان مشاركاً في «حوار بعبدا» بأن الحوار هو إبداع ديمقراطي لبناني، ويضيف أن الحوار يجمع بين السلطات الثلاث مع المعارضة والموالاة والمجتمع المدني من دون ضغط التصويت على القرارات، بمعنى أن يكون نقاشاً مستفيضاً غير ملزم بمواضيع يمكن أن تصبح قيد التنفيذ عندما يقتنع الجميع بها، ويشدد على أن النظام الميثاقي المستند إلى المناصفة في لبنان يجب أن يواكب بحوارات ليست قرارات مما يساعد في تسهيل عمل المؤسسات وعدم تعطيلها.

 

لا يعتبر سليمان أن الحوار الذي رعاه في بعبدا فشل بدليل استمرار الحديث عن الاتفاق الذي صدر عنه، إضافة إلى فترة الهدوء التي شهدتها البلاد طوال انعقاده بين عامي 2008 و2013، وهو الذي أسهم في حصول زيارة قداسة البابا بنديكتوس الـ16 التاريخية إلى لبنان في عام 2012، ونعمت البلاد بنمو اقتصادي ولم تتأثر في الأزمة العالمية وحرب غزة حينها، ويذكر بأن المشاركين ومن بينهم نائب «حزب الله» محمد رعد اتفقوا على رفض تحويل لبنان منصة للصواريخ، وحصل التزام بمجمل ما اتفق عليه في «هيئة الحوار» بما فيها تمرير استحقاقي الانتخابات النيابية والبلدية.

بمرارة يتحدث سليمان عن «إعلان بعبدا» معتبراً أنه سقط بسبب المسيحيين لأنهم بعد انتهاء عهده لم يساندوه بشكل صحيح ولم يذكروا به وتجنبوا الحديث عنه، فيما كان يمكن أن يعتبروا هذا الإعلان أكبر دليل على عدم احترام الفريق الآخر لمقرارات أي حوار.

ويشرح رئيس الجمهورية السابق أن «هيئة الحوار الوطني» التي شكلها كانت تشبه إلى حد كبير الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية المنصوص عنها في «اتفاق الطائف»، وكانت «هيئة الحوار» مهيأة للتوصل إلى نتيجة والانطلاق على أساسها لتشكيل الهيئة الوطنية المختصة بوضع خطة مركزية لإلغاء الطائفية.

توجيهات خارجية

ونسأل الرئيس سليمان عن أسباب تعطل «إعلان بعبدا»، فيجيب من دون تردد بأن توجيهات خارجية وصلت إلى «حزب الله» بالتدخل بشكل قوي في حرب سوريا كانت نتيجتها عدم الالتزام بالبند المتعلق بتحييد لبنان عن كل الصراعات والأزمات الإقليمية، ولم يتمكن الحوار من استكمال البحث في الاستراتيجية الدفاعية التي كانت بنداً أساسياً على جدول أعماله.

ويشرح سليمان أن السنوات الأولى من الحوار خصصت لمواكبة الاستحقاقات الداخلية، إضافة إلى البحث بالاستراتيجيات الدفاعية المتنوعة للأطراف المشاركة، ويكشف عن تشكيل لجنة عسكرية رديفة حينها لوضع ورقة موحدة لكنها لم تكمل عملها بسبب الانقسامات. وحاول وضع ورقته الخاصة حول الاستراتيجية الدفاعية لكن في وجود رأيين متناقضين واحد يؤمن بحل الدولتين في فلسطين وآخر ينادي بإزالة إسرائيل، قرر العمل على استراتيجية قائمة على التحييد، من دون أن يعني ذلك انتهاء العداء لإسرائيل، مضيفاً ضبط الحدود اللبنانية – السورية وعدم السماح باستعمال لبنان مقراً أو ممراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين.

 

وقدم ورقته بعد اجتماعين خصصا لتشجيع تطبيق «إعلان بعبدا» بموافقة جميع المشاركين والمجاهرة بتنفيذه ومتابعة اعتماده ورقة رسمية في الأمم المتحدة ولدى جامعة الدول العربية، وتوقفت الاجتماعات على إثر تفجيرات مسجدي «التقوى» و»السلام» في طرابلس شمال لبنان، بعد تورط وزير الإعلام السابق ميشال سماحة بنقل المتفجرات بسيارته من سوريا إلى لبنان.

ولكن ماذا بقي من «إعلان بعبدا» بعد كل هذه السنوات؟ يجيب الرئيس سليمان بأن «الإعلان يبقى إذا استمرينا في المطالبة به»، ويضيف أنه ورقة صيغت بجرأة ولولاها لما كان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي أعلن «بيان الحياد».

الأعراف الجديدة

لا تقتصر شكوك المعارضة على نتائج الحوارات السلبية التي توالت في لبنان، ولكن أيضاً في أعراف جديدة خارجة على الدستور نتجت من بعض هذه الحوارات واتسمت بصفة الموقتة لتصبح دائمة، ومنها الثلث المعطل كشرط لتشكيل الحكومات.

ويوضح الرئيس سليمان أن هناك خطأ شائعاً في أن «حوار الدوحة» أدخل أعرافاً جديدة إلى «الطائف»، ويقول إن الحقيقة هي أن قوى الثامن من مارس (آذار) اشترطت قبل الذهاب إلى قطر في مرحلة البحث بتسميته للرئاسة، الحصول على الثلث زائد واحد في حكومة العهد الأولى لتذهب إلى الانتخاب، لكنه رفض التعهد بهذا الأمر قبل الانتخاب بحجة أن كل شيء يقرر في حينه.

وفي الدوحة، يتابع سليمان، وافق ممثلو القوى السياسية كافة على مطلب الثلث زائد واحد مشروطاً بعدم الاستقالة من الحكومة، والتزم «حزب الله» وحلفاؤه بعدم الاستقالة في حكومة العهد الأولى، لكنهم استخدموا الثلث المعطل لإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية، وبمساعدة وزير كان عينه الرئيس سليمان وهو عدنان السيد حسين، الذي بات يعرف بالوزير الملك.

ويكشف الرئيس السابق أن حسين، الذي كان مقرباً منه أيام قيادة الجيش، كشف له عن أنه تعرض لضغوط لم يستطع إلا أن يرضخ لها، أما عن عرف تثبيت حقيبة المالية للشيعة فيوضح سليمان أنه بعد «حوار الدوحة» وطوال ولايته تولى وزارة المال وزراء سنة (محمد شطح، وريا الحسن، ومحمد الصفدي)، وأن الوزارة انتقلت إلى الشيعة في الحكومة الرابعة التي شكلت في عهده برئاسة الرئيس تمام سلام، إذ تولاها المعاون السياسي للرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل على قاعدة تبديل مذاهب الوزارات السيادية.

عن  «independent» عربية