لا شك أنّ التكنولوجيا الرقمية تُساهم بشكل كبير في الحياة الاقتصادية عبر مدى الوصول إلى الزبائن كذلك تسهم في تقليل الكلفة لصناعات وخدمات مختلفة. ويبقى السؤال عن مساهمة هذه التكنولوجيا في الاقتصاد اللبناني بعد مرور أكثر من 20 عاماً على بدء الاقتصاد الرقمي؟
كلنا يتذكر الاتصالات الدولية كم كانت مُكلِفة، أما اليوم وبفضل التكنولوجيا الرقمية أصبح الإتصال الدولي شبه مجاني. وماذا يُمكن القول عن طباعة الكتب أو حتى الصحف.
نعم هذا هو الاقتصاد الرقمي، كل قطاع إقتصادي يستخدم التكنولوجيا الرقمية كأداة عمل رئيسة أو كوسيلة دعم يدخل في الاقتصاد الرقمي وهذا بغض النظر عن تصنيفه كقطاع صناعي زراعي أو خدماتي. وينظر علم الاقتصاد إلى الاقتصاد الرقمي كقطاع أفقي عابر للقطاعات التقليدية وليس محصوراً بالشركات التي تُنتج التكنولوجيا بل أيضاً التي تستخدمها في إطار عملها.
من وجهة نظر إقتصادية يُمكن لنا ملاحظة الحاجة على صعيد الشركات والإدارات العامة إلى أنظمة تسهر على آلية الإبتكار، المنافسة، والزوال. هذه الحاجة تؤمّنها من دون شك التكنولوجيا الرقمية التي تفرض بشكل أو بآخر إعادة التفكير بآلية تحديد السعر وآلية مراقبة الأسعار.
لكنّ هذه الأخيرة ليست الوحيدة التي يجب إعادة التفكير بها بل أيضاً حدود الصناعات التي تُصنّف بالمنتجات، المهن والأسواق. أضف إلى ذلك الحاجة على صعيد الشركة إلى رقابة كثيفة لحدودها مع العالم الاقتصادي نظراً لكثرة وسائل الإتصال مع الخارج.
بدأ الاقتصاد الرقمي في الولايات المتحدة الأميركية في العام 1992 حيث وخلال 9 سنوات (قبل فقاعة الإنترنت)، أتى نموّ الاقتصاد الأميركي في معظمه من شركات تكنولوجية باعتراف حاكم الإحتياطي الفديرالي السابق آلان غرينسبان.
وقال في سياق تصريح في شيكاغو إنّ الديناميكية الحالية (أيْ في العام 1999) هي ديناميكية غير إعتيادية آتية من التكنولوجيا الرقمية التي سمحت بخفض الكلفة، وتبديل رأس المال والعمالة دون أيّ خطر تضخمي. كما أدى إستخدام التكنولوجيا الرقمية إلى تحسين نسبة الأرباح وخلق فرص عمل جديدة لم تكن موجودة سابقاً في الاقتصاد الأميركي.
لكن كيف يُمكن تفسير تحسّن نسبة الأرباح الناتجة عن قطاعات التكنولوجيا الرقمية إقتصادياً؟ للجواب على ذلك يتوجب علينا معرفة أنّ زيادة مكاسب الإنتاجية من قطاعات الاتصالات الإلكترونية، والكمبيوتر والانتشار إلى بقية قطاعات الإنتاج هو بمثابة بدء ديناميكية إقتصادية جديدة وذلك عبر ثلاثة عوامل: استخدام معامل الانكماش (deflators) والتي تحتوي الآن على تكنولوجيا المعلومات، التحدّب الموقت (temporary convexity) لمنحنى النموّ الذي يعزز مؤشر الإنتاجية، والزيادة الهائلة في الإنتاج والإنتاجية في قطاع السلع المعمرة من تكنولوجيا المعلومات. أيضاً يُمكن النظر إلى هذا التحسن في نسبة الأرباح من ناحية تسارع الانتقال لنشر تكنولوجيا المعلومات في الإقتصاد.
واعتماداً على وجود تشابه مع المحركات الكهربائية (الكمبيوتر والدينامو)، يُمكن القول إنه وبعد عشرين عاماً على إستبدال المحركات البخارية بالمحركات الكهربائية، إستلزم الأمر وقتاً لكي تأخذ الكهرباء دوراً في تنظيم الإنتاجية، الأمر الذي أدى إلى نموّ هائل في ثلاثينيات القرن الماضي.
وبالمثل وبعد مكننة الشركات، أخذت الإنتاجية في الشركات تتحسن جراء إستخدام تكنولوجيا المعلومات في القطاعات التي بدأت تستخدمها. لكنّ الإنتقال إلى الاقتصاد الرقمي سيأخذ وقتاً على نفس مثال الكهرباء وسنحتاج إلى فترة من الوقت لكي تتمّ الإستفادة من قدرات تكنولوجيا المعلومات.
الاقتصاد الرقمي في لبنان…
تُعتبر الاتصالات إحدى الركائز الأساسية للإقتصاد الرقمي. ويتمتع لبنان بشبكة إتصالات مقبولة للإستخدامات البدائية كتصفح صفحات الإنترنت والقيام ببعض العمليات البسيطة كالـ Home Banking والحجوزات وصفحات عرض للشركات وغيرها.
والعائق الأساسي لإستخدام شبكة الإنترنت في لبنان في الإقتصاد الرقمي تأتي من ضعف الخط الذي يصل لبنان بالشبكة العالمية مع العلم أنه يوجد مقابل طرابلس خط ألياف ضوئية بسرعة كبيرة لكن لبنان غير موصول بها.
كما أنه وعلى الصعيد الداخلي تبقى الاتصالات عرضة لنموّ عدد المستخدمين ما يؤدي إلى فقدان الدقة في العمليات الحساسة كالدفع بواسطة الإنترنت أو شراء أهم في البورصة أو القيام بعمليات معقدة من نوع e-commerce.
أيضاً نرى أنه في لبنان تقتصر العمليات الإلكترونية على عمليات الدفع بواسطة بطاقات الدفع من نوع فيزا، ماستر كارد… وهذا الأمر يأتي من الثقافة التي يفتقد إليها المسؤولون في الشركات كما أصحاب القرار. هذه الثقافة يتمتع بها على العكس الجيل الجديد الذي تشرّبها منذ صغره.
الإنتقال إلى إقتصاد رقمي…
ويبقى السؤال عن الخطوات الواجب إعتمادها لنقل الاقتصاد اللبناني إلى إقتصاد رقمي؟ هذا الأمر يحتاج إلى خطوات عدة وذلك على أصعدة مختلفة يُمكن جمعها في النقاط التالية:
أولاً: تحسين شبكة الإنترنت عبر وصل لبنان بشبكة الإنترنت عن طريق خط الألياف الضوئية مقابل طرابلس وإعتماد الشراكة بين القطاعين الخاص والعام لتطوير الشبكة الداخلية (BOT…). هذا الأمر يتطلب قراراً سياسياً من الحكومة.
ثانياً: تحفيز الشركات على الإنتقال إلى أنظمة التكنولوجيا في أعمالها وذلك عبر إعتماد التكنولوجيا في الإنتاج.
ثالثاً: تحديث الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء لكي تأخذ في الإعتبار المعطيات الجديدة التي سبق ذكرها أعلاه. كما يتوجب تطوير القانون الخاص بحماية الملكية الفكرية لكي تنطبق على الطرق الجديدة المُستخدَمة في الاقتصاد.
ويبقى القول ما هي ماهية الأخطار الناجمة عن إعتماد التكنولوجيا الرقمية والتي تتمثل بالدرجة الأولى بخسارة وظائف مقابل مكننة الأعمال التشغيلية. وبهذا نردّ أنّ الخسارة في عدد الوظائف سيتمّ تعويضها بخلق فرص عمل جديدة من نوعٍ آخر محورها المعرفة المعلوماتية حيث يجب تحديث الإختصاصات لكي تردّ على الحاجة كما وتأهيل العمال الحاليين لكي يتمكنوا من التأقلم مع هذا التطوّر.
نعم ككل الملفات الاقتصادية والإجتماعية، يبقى هذا الملف مسيَساً نتيجة ضعف الرؤيا الاقتصادية التي لا تسمح بتطوير الاقتصاد بما فيه خير المواطن، فهل تقوم الحكومة اللبنانية بمفاجأة على هذا الصعيد؟