المضاعفات المتسارعة لأزمة العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية ودول الخليج بصفة عامة، تكشف بعض الحقائق الموجعة. أولاها، هي أن العديد من القيادات اللبنانية لم تفهم بعد عمق التغيير وأبعاده الذي حدث في المملكة، مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز القيادة. ومنها ثانياً، ان حالة عدم الفهم هذه شملت محبي المملكة ومؤيديها أكثر من خصومها في لبنان. وثالثتها، هي أن الدليل الساطع على هذا الواقع هو البيان الصادر عن جلسة حكومة السبع ساعات والذي بدا للمقربين من المملكة أنه كافٍ لطرد هذه السحابة من سماء العلاقات، ثم فوجئوا برد فعل معاكس. ومنها رابعاً وأخيراً، أن لبنان يواجه واقعاً غير مسبوق في تاريخ العلاقات مع الأشقاء في الخليج، ويشكل خطراً مصيرياً اذا فقد لبنان عمقه العربي، وبالأخص عمقه الخليجي…
الكلمة المفتاح للعقل الاستراتيجي الجديد في المملكة هي الحزم. ومعنى ذلك هو وضع الثقل كله لتحقيق الأهداف المحددة مهما كان الثمن، لأن المملكة ترى أنها تخوض معركة مصير هي أيضاً. وعنوان المرحلة هو: من ليس معنا فهو ضدنا… أي أن المملكة في هذا الزمن الجديد لا تريد انصاف أصدقاء أو أنصاف حلفاء… فإما أن تكون صديقاً وحليفاً وإما أن تكون خصماً وعدواً… واذا كانت المملكة تمسكت بحزم بهذه السياسة في كل مكان في المنطقة من اليمن الى سوريا، وما بينهما وما بعدهما، فلماذا يكون لبنان هو الاستثناء؟! ومشكلة لبنان اليوم، هو انه كان في الماضي يلجأ الى المملكة والى الخليج لحل أزماته، فإلى مَن يلجأ اليوم اذا كانت أزمته مع المملكة والخليج؟!
لا يحتاج لبنان الى عاصفة حزم حتى يفرط، لأن مقومات هشاشته منه وفيه. وهذا مفهوم… ولكن ما ليس مفهوماً هو مغزى سياسة التصعيد ضد لبنان. قال سفير المملكة علي عواض العسيري لمناسبة استقباله وفود اللبنانيين الى السفارة ان هذا التحرك العفوي الذي شهدناه من خلال الشخصيات السياسية والروحية والوفود من بيروت والمناطق تعبر خير تعبير عن محبة اللبنانيين لقيادة المملكة، وحرصهم على صون العلاقات الأخوية التاريخية التي تربط السعودية ولبنان. واذا كان الأمر كذلك، فلا بد أن المملكة تأخذ هذا الواقع في الاعتبار، فلا يشمل العقاب لبنان ككل، فيذهب الصالح بعزا الطالح…
من واجب القيادات اللبنانية الكف عن أسلوبها العبثي التقليدي الموروث جيلاً بعد جيل، ومواجهة الواقع الجديد بأكبر قدر من الجدية والحذر والشجاعة. والاتكال على أنفسهم أولاً لمواجهة الانزلاق الى خطر مصيري. وما ينتظرهم اليوم وفي مستقبل الأيام الآتية، هو ما رأوه في المنطقة وعلى امتدادها في هذه الحقبة الملتهبة من تاريخها… فماذا أنتم فاعلون؟