يقول رئيس سابق للحكومة إن لبنان ليس في حاجة إلى سلاح لجيشه ولقواه الامنية بقدر ما هو في حاجة الى وحدة وطنية قوية وراسخة والى وفاق وطني حقيقي وشامل، وهذا يذكّر بقول الرئيس الراحل الياس سركيس في خطاب قسمه: “إن الوفاق الوطني في لبنان يشكل قوة 100 ألف جندي”. لذلك فإن إيران التي بات لها نفوذ في لبنان من خلال “حزب الله” تستطيع ان تساعد لبنان بغير السلاح المثير لخلافات وإشكالات، وهو جعل وحدته الداخلية راسخة وسلمه الأهلي ثابتا وعيشه المشترك دائما ووفاقه الوطني حقيقيا وشاملا، وتجنيبه كل ما من شأنه ان يلحق الأذى بكل هذه الثوابت الوطنية، وهو ما لم تفعله ايران حتى الآن، إنما فعلت كل ما من شأنه ان يلحق الضرر والاذى بالوحدة الداخلية من خلال اثارة مواضيع ينقسم حولها اللبنانيون سياسيا ومذهبيا مثل الطلب الى “حزب الله” إشعال حرب مع اسرائيل في تموز 2006 ما ألحق ضررا اقتصاديا وماليا بلبنان ودمارا لبنيته التحتية والفوقية، ثم الطلب منه التدخل عسكريا في سوريا لدعم نظام الرئيس بشار الاسد في وقت ينقسم اللبنانيون بين مَنْ هم مع النظام ومَنْ هم ضده، وجعلت الحزب بهذا التدخل يخالف “اعلان بعبدا” الذي كان قد وافق عليه الجميع، كما جعلته يثير بمواقفه انقسامات داخلية حادة عند تشكيل الحكومات وعند انتخاب رئيس للجمهورية، بحيث صار تشكيلها يتطلب أشهراً عدة، ولا يتم انتخاب رئيس إلا بقرار خارجي، وها هو ينتظر اليوم هذا القرار. ولم تساعد إيران حتى الآن على تجنيب لبنان طرح مواضيع تثير الخلافات وتؤثر على الوحدة الداخلية، بل عمدت اخيرا الى طرح موضوع تقديم هبة سلاح للجيش اللبناني وهي تعلم انه يشكل موضوع خلاف داخلي وخارجي، كما تعلم الأسباب. فإذا كانت إيران تريد فعلاً لا قولاً أن يستمر الأمن والاستقرار في لبنان وأن يظل محافظا على وحدته الداخلية وسلمه الأهلي، فما عليها سوى مساعدته على تحقيق الآتي:
اولا – الايعاز الى “حزب الله” ومن معه بحضور جلسة انتخاب رئيس للجمهورية وتوحي اليه بمن تريد رئيسا وتترك اللعبة الديموقراطية تأخذ مداها، لأن بقاء لبنان بلا رئيس معناه فتح الابواب للفوضى التي يدخل منها كل أنواع الارهاب، وتكون إيران هي المسؤولة عن ذلك.
ثانيا – جعل لبنان خارج صراعات المحاور بعدما عانى الكثير منها، فتركيبته الدقيقة لا تسمح له بالانحياز الى اي محور. وإذا كان لبنان عانى في الماضي ولا يزال يعاني الى اليوم فالسبب هو انقسام ابنائه بين مؤيد لهذا المحور ومؤيد لذاك. فعندما تطلب إيران ان يكون لبنان في محورها فإن فئة فيه تعارض ذلك فيقع عندئذ الانقسام الذي يزعزع أمنه واستقراره.
لذلك فإن إخراج لبنان من صراعات المحاور يبدأ بطلب إيران من “حزب الله” الانسحاب من سوريا كما طلبت منه الدخول اليها، خصوصا بعدما اصبحت الحرب على التكفيريين والارهابيين حربا كونية وقام تحالف دولي لهذه الغاية. وبعودة “حزب الله” من سوريا الى لبنان يعود البحث في كل ما من شأنه ان يرسخ الامن والاستقرار ويعزز الوحدة الوطنية، ويحقق الوفاق الوطني الحقيقي الشامل الذي يطوي صفحة الماضي بكل مآسيها ومعاناتها ويفتح صفحة جديدة لمستقبل واعد مع رئيس جديد وحكومة جديدة، ويصير في الامكان اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتحييد لبنان عن صراعات المحاور أو أقله أن يكون على الحياد في المواضيع المثيرة للخلاف، ويكون مع ما يصير اتفاق عليه فقط سواء كان داخلياً أو خارجياً. وعندما يصبح لبنان خارج صراعات المحاور وخارج الخلاف على أي موضوع فإنه ينعم عندئذ بالأمن الثابت والاستقرار الدائم سياسيا واقتصاديا وتنتفي أسباب الاحتفاظ بالسلاح خارج الدولة كي لا يظل يشكل خوفا لفئة منه واستقواء به عليها خصوصا أن لبنان لا يحكم بسياسة الغالب والمغلوب بل بسياسة الوفاق والمساواة في تطبيق القوانين.
ويأمل لبنان عند قيام حكم جديد في سوريا في أن يتوصل الى تنفيذ ما لم يتمكنم من تنفيذه في ظل الحكم الحالي وهو ترسيم الحدود بين البلدين لأن ذلك ينهي النزاع حول ملكية مزارع شبعا، ويجعل اسرائيل تنسحب منها ومن بقية الاراضي اللبنانية التي تحتلها، ويصير عندئذ في الإمكان العودة الى تطبيق احكام الهدنة بين لبنان واسرائيل في انتظار التوصل الى تحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة.
هل ايران مستعدة لأن تساعد لبنان على تحقيق كل ما يؤمن استمرار الامن والاستقرار فيه، ويرسخ الوحدة الوطنية كونها السلاح الأقوى والأمضى بدءا بانتخاب رئيس للجمهورية، أم أن لها حسابات في المنطقة تجعلها لا تساعد على ذلك إلا بشروط؟