حاول البعض اثارة نوع من اللغط حول الدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى اللقاء التشاوري في قصر بعبدا للقوى المشاركة في حكومة الرئيس سعد الحريري. وعلى الرغم من تعمّد صاحب الدعوة البساطة في توجيهها وابعادها عن أية شبهة في الكسب السياسي بالمفهوم التقليدي، فان بعض القوى التي تطلق على سلوكها تسمية المعارضة، ذهبت بعيدا في تفسير الدعوة وتحميلها أكثر مما تحتمل، واعتبرتها نوعا من الاقصاء لمكونات في الوطن لا لشيء إلاّ لأنها في المعارضة. وذهبت أكثر في المبالغة والاتهام معتبرة ان الحكم يجنح نحو الدكتاتورية في ممارسة السلطة! ولم تقتصر الدقة في فهم الدعوة على بعض أطراف المعارضة وحدها، بل ان كل طرف من المتحلقين حول رئيس الجمهورية ممن لبّى الدعوة، فهمها على طريقته وبأسلوبه الخاص، وتشنّج المعارضة في هذه المسألة أثار الابتسام لدى البعض، والتهكم لدى البعض الآخر واللامبالاة لدى بعض ثالث! في حين ان أطرافا معنية بالتشاور لم تجد فيها أكثر من صبحية ممتعة، وكأنها جلسة دردشة بين التانتات على فنجان قهوة!
***
الانطباع عن اللقاء التشاوري في القصر الجمهوري كان لدى الغالبية بصفة عامة هو وضع خريطة طريق لتفعيل عمل الحكومة وتزخيم إقرار المشاريع الحيوية والتنموية لا سيما على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. غير ان ما ورد في كلمة رئيس الجمهورية ومن يملك القدرة على فكّ شيفرة تفكيره ونهجه السياسي يوحيان بأن الهدف هو أبعد من ذلك بكثير. والواقع ان لبنان لا يحتاج الى خريطة عمل ولا الى برامج لتنفيذ المشاريع، لأن ما لديه منها هو الكثير الكثير… ثم ألم تكن وثيقة الوفاق الوطني ودستور الطائف خريطة طريق واضحة المعالم؟ فما الذي نُفذ منها؟ ثم أليست أدراج الحكومة مليئة بمشاريع متراكمة بمشاريع تنام في الأدراج نومة أهل الكهف. ما يحتاجه لبنان ليس برامج العمل، وانما ارادة التغيير. واللقاء التشاوري هو نقطة البداية في اطلاق تلك الارادة وتعميمها وتعميقها في الوجدان السياسي داخل الحكم وخارجه على السواء…
***
لعل هذا هو الهدف الحقيقي لهذه الدعوة، وسيكون لها ما بعدها. والتركيز على المجالين الاقتصادي والاجتماعي يصبّ في خدمة هذا الهدف البعيد، ذلك أن المجتمع السليم والمعافى هو القادر على التقدم، وليس المجتمع السقيم والشليل! ألم يكن رئيس الجمهورية واضحا في منتهى الوضوح في كلمته عندما قال ان الهدف النهائي هو الوصول الى الدولة المدنية؟ ألا يعني ذلك ان اللقاء التشاوري هو بداية لقلب صفحة سياسة اليوم التالي وتدشين لسياسة الغد والمستقبل؟!