انفجار المرفأ أعاد مؤسسة كهرباء لبنان سنوات إلى الوراء، هي التي كانت بالكاد تسير. لم تكتف بأن يكون العجز في ميزانيّتها جزءاً من حكاية الانهيار في البلد. 4 آب جعلها جزءاً من كارثة لم يسبق لها مثيل. يصعب الحديث عن قيامة قريبة للمؤسّسة، لأسباب تتعدّى الانفجار وتأثيره. لكنّها مع ذلك لملمت جراحها وبدأت تستعيد مظاهر الحياة. لا طموح كبيراً: كل المطلوب استمراريّة العمل
لم تكن مؤسسة كهرباء لبنان بحاجة إلى انفجار لتنهار. منذ ما قبل 4 آب بزمن، تعيش المؤسسة على شقّ الأنفس. الاستثمار شبه معدوم في ميزانيّتها العاجزة أصلاً. أكثر ما يمكنها القيام به هو إنشاء محطات تحويل جديدة، أو توسيع قدرة محطات أخرى أو مدّ بعض الخطوط. في عام 2018، ومع تنفيذ خطّة الكهرباء الميوّمة، تمكنت المؤسسة من رفع معدل الجباية. كانت التوقعات، بحسب الشركات مقدمة الخدمات واعدة، إلا أنّ كل شيء تغيّر مع بدء الأزمة المالية والاقتصادية، التي اتبعت بإغلاق طويل بسبب كورونا. عادت المؤسسة سنوات إلى الوراء. ومع فشل وضياع كل فرص إنشاء معامل إنتاج جديدة، ومع عجز يصل إلى 80 في المئة يتم تعويضه بسلف خزينة سنوية، صار أقصى الطموح المحافظة على حدّ أدنى من الاستقرار في التغذية. وهو هدف بدا صعباً بالنظر إلى المعوقات التي كانت تحول دون وصول الفيول إلى المعامل (التأخر في فتح الاعتمادات، والخلاف مع سوناطراك…).
مقالات مرتبطة
كهرباء لبنان «تتاجر» بالفيول! آمال خليل
كل ذلك كان محتملاً قبل انفجار مرفأ بيروت. ثلاثة شهداء كانت حصة المؤسسة من المأساة، إضافة إلى عشرات الجرحى، وبينهم المدير العام كمال حايك. أيام طويلة احتاجها العاملون لاستيعاب حجم الضربة القاصمة التي تعرضت لها مؤسستهم. إضافة إلى الشهداء والجرحى، تشرد نحو 800 عامل من عملهم. المبنى الرئيسي في مار مخايل تحوّل إلى خراب، يصعب الدخول إليه. ما بقي هو الهيكل الخارجي للمبنى. عدا عن الجدران الخارجية الاسمنتية، لا شيء في مكانه. لا زجاج ولا جدران داخلية ولا مكاتب ولا مستندات ولا معدّات. كل شيء تطاير. كثير من العاملين، لم يعرفوا مكاتبهم عندما زاروها. في ذلك المبنى الشاهق، الشاهد على الفترة الذهبيّة للعمارة الحديثة (أواسط القرن الماضي)، لا يوجد سوى الدمار. لسان حال الموظفين: لو وقع الانفجار أثناء الدوام، لكان وصل عدد الشهداء إلى المئة.
بعد نحو شهرين من الانفجار، تمكّنت إدارة المؤسسة من ضمان استمرارية العمل بالحد الأدنى. شهر احتاجته عملية إزالة الركام، بدأت خلالها مرحلة وضع الخطط المرحلية والطويلة الأمد لاستمرار العمل أولاً، ولإعادة ترميم المبنى ثانياً. الأولوية لإعادة تفعيل عمل المؤسسة، في ظل توقّعات بأن تحتاج عملية الترميم إلى سنوات. المرحلة الأولى كانت مخصّصة لإحصاء الأضرار. جهد كبير يُبذل لإعادة تجميع ما أمكن من المستندات التي انتشرت داخل المبنى وعلى مساحة بعيدة منه. والمديريات المعنية بدأت فرز هذه المستندات، إضافة إلى المعدّات، على أن تكون الأولوية للبحث في طريقة لحفظها قبل فصل الشتاء.
تأكيداً على عودة العمل في المؤسسة، لم تتأخر كثيراً عملية طبع الفواتير، وبالتالي الجباية. وهذه العملية نقلت إلى المبنى الإداري لمعمل الزوق، حيث تبيّن وجود طابعتين مخصصتين لإصدار فواتير الكهرباء. ولأن العدد ليس كافياً، شهدت عملية الطباعة بطئاً، قبل أن تعرض شركات مقدمي خدمات التوزيع، المتضررة من بطء الجباية، تقديم طابعات إضافية لهذه الغاية وتسليمها إلى المؤسسة. وعليه، بدأت عملية طباعة الفواتير بالعودة إلى وتيرتها المعتادة. ما يعني عملياً عودة الوضع المالي في مؤسسة كهرباء لبنان تدريجياً إلى ما قبل الانفجار.
الموظفون مشرّدون
التحدّي الأكبر كان في كيفية توزيع الموظفين والعمال والمستخدمين، بما يمكنهم من العودة إلى مزاولة عملهم. وهنا تعمل المؤسسة على خطتين: قصيرة ومتوسطة. في المدى القصير، عمدت إلى المداورة بين الموظفين، لسببين: عدم وجود أمكنة ومكاتب وانتشار كورونا (609 موظفين من دون احتساب العاملين في دوائر بيروت وأنطلياس والشياح وفي دائرة العمليات والمناورات). وهؤلاء توزعوا بين الزوق والجمهور وبصاليم والحازمية والغبيري. كما عمدت شركة «برايم ثاوث» المشغّلة لمعملَي الزهراني ودير عمار إلى تقديم 41 غرفة حديدية مسبقة الصنع تم تركيبها وتوزيعها بين باحات المبنى ومواقفه (وافقت الشركة على إضافة 25 غرفة جديدة)، علماً بأن الغرفة الواحدة تستوعب ثلاثة مكاتب متلاصقة.
وفيما ترى إدارة المؤسسة أن توزيع الموظفين بهذه الطريقة هو حلّ مؤقت ينبغي أن لا يطول، علمت «الأخبار» أنه تم التواصل مع عدد من الشركات المالكة للعقارات في المنطقة بين فرن الشباك والحازمية، بهدف استئجار مبنى بديل للمبنى المركزي، وتجهيزه بما يتلاءم مع عمل المؤسسة.
17 مليون دولار كلفة ترميم مبنى «كهرباء لبنان»
كل الخيارات لم تنضج بعد، ويفترض أن يأخذ مجلس الإدارة قراراً بها عند انعقاده. كما تجدر الإشارة إلى أنه بعيداً عن الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمكاتب والمعدات والأجهزة، فقد طاول الدمار مرفقين حيويّين موجودين في المبنى المركزي: مركز التحكّم الوطني بالشبكة الكهربائية (LENCC) المسؤول عن مراقبة المحطات وتوزيع الكهرباء بين المناطق وحماية المحوّلات من الحمولة الزائدة (يتم حالياً مراقبة الشبكة بالطريقة البدائيّة، حيث يداوم فريق المركز في محطة بصاليم، ويعمل على مراقبة ترددات الكهرباء بالاعتماد على الخبرة والتواصل الهاتفي، في ظل عدم إمكانية التدقيق في أداء المحطات إلكترونياً)، ومحطة الأشرفية التي تقع في عقار مؤسسة الكهرباء (خارج المبنى)، التي تغذّي مناطق واسعة في بيروت. بدت تلك أضراراً يحتاج إصلاحها إلى وقت طويل وأموال طائلة. تكفي الإشارة إلى أن شركة الإنشاءات العربية قدّرت كلفة إعادة ترميم المبنى وإعادة إعمار ما دُمّر منه بنحو 17.3 مليون دولار. علماً بأن هذا المبلغ لم يشمل التجهيزات المكتبية والآليات، كما لم يشمل تأهيل نظام التحكّم أو كلفة تأهيل وترميم محطة الأشرفية. الأهم أن هذه الدراسة التقديرية لم تأخذ بالحسبان صلاحية المبنى بنيوياً. إذ لم تجر دراسة بعد تبيّن مدى صلاحية وسلامة هيكله وأساساته، وما إذا كان ممكناً إعادة البناء عليه وتجهيزه ليكون مجدداً المبنى المركزي لكهرباء لبنان.
الأونيسكو أمل «الكهرباء»
أمام كل هذا الدمار وكل التعاطف الدولي مع لبنان عقب الكارثة، ظلّت الوعود بإعادة إعمار ما دمّره انفجار المرفأ بعيدة عن كهرباء لبنان. وحدها الأونيسكو أبدت استعداداً أولياً لترميم المبنى. التنسيق يتم حالياً مع نقابة المهندسين. هي مهتمة أيضاً بترميم مبنى وزارة الخارجية. إلى أن يتضح مصير هذا التعهّد، بدأت المؤسسة تعقد اجتماعات مع عدد من المتعهدين المتعاقدين مع المؤسسة أو مع الجهات الأهلية لتبيان مدى قدرتها على تقديم المساعدة. بلدية بيروت أعلنت في اجتماع عقد في 10 أيلول الجاري، بين ممثلين عن البلدية والمؤسسة والجيش اللبناني، أنه لا يمكنها تقديم أي مساعدة، علماً بأن الجيش كان قد تكفّل بإزالة الأجزاء الآيلة إلى السقوط في المبنى حفاظاً على السلامة العامة.
في المقابل، أعرب الصليب الأحمر اللبناني عن نيّته تخصيص مساعدة للمؤسسة لتأمين محوّلات توزيع تسلّم إلى شركة KVA لتركيبها على الشبكة الكهربائية للمنطقة المتضررة بالانفجار، علماً بأن الموضوع لا يزال قيد البحث مع الجهات المعنية.
كذلك تم التواصل مع شركة كهرباء فرنسا EDF لتبيان مدى قدرتها واستعدادها للمساعدة. وقد أفادت، في 11 أيلول، بأنها تتواصل مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بهدف تمويل دراسة تقييم لإصلاح محطة الأشرفية، وإصلاح مركز التحكم بالشبكة الكهربائية. كما أبلغت الشركة الفرنسية «كهرباء لبنان» أن فروعها في فرنسا تستعد لتقديم هبتين، هما عبارة عن: زيوت لكابلات التوتر العالي ومعدّات أخرى لمديرية النقل، وتكاليف إجراء مسح شامل لسلامة تخزين المواد الكيميائية في معامل الكهرباء.