أعلنها وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر في اطلالة تلفزيونية، وبشكل واضح، لا مواربة فيه: اذا لم تُعط مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة، فإنّ معامل الانتاج ستطفئ محركاتها في نهاية شهر آذار، لعدم قدرة وزارة الطاقة على شراء الفيول بعدما استنفدت كل الاحتياطي المتبقي من سلفة العام 2020، والتي كانت تبلغ 1500 مليار أيضاً، مع الإشارة إلى أنّ هذه السلفة لا تدخل في حساب وزارة الطاقة والمياه، ولا في حساب مؤسسة كهرباء لبنان، إنما تبقى بإدارة وزارة المال التي بدورها تفتح الإعتمادات المطلوبة لتغطية فواتير الفيول.
حجة المتعاقبين على وزارة الطاقة في تبرير هذا العجز، تكمن في أن الدولة منذ العام 1994 عندما سعّرت الكيلواط على أساس برميل النفط بـ 20 دولاراً، قررت أن تدعم هذه التسعيرة بِغض النَظر عن إرتفاع سعر البرميل الذي وصل مرات عدة الى ما فوق الـ100 دولار، ما يعني أن الدولة تبيع الكهرباء بأرخص من كلفتها كي تساعد أصحاب الدخل المحدود بدفع فواتيرهم.
ولأجل ذلك، تقدّم نواب من “تكتل لبنان القوي” باقتراح قانون معجّل مكرر لإعطاء كهرباء لبنان سلفة خزينة لعام 2021 بقيمة 1500 مليار ليرة تهدف إلى تسديد عجز شراء المحروقات، وتسديد فوائد وأقساط القروض لصالح المؤسسة. ولم يُعرف بعد ما اذا كان الاقتراح سيُعرض على الهيئة العامة للمجلس التي ستنعقد بعد غد الجمعة وفقاً للدعوة التي وجهها أمس رئيس مجلس النواب، بهدف أساس، وهو اقرار قرض البنك الدولي.
عملياً، لم يعد صرف سلفة لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، قراراً روتينياً يتخذ بشكل دوري، بعد اخضاعه لنقاش وتجاذب حول قيمته، كما حصل في السنتين الأخيرتين، حين تمّ تخفيضها إلى 1500 مليار بعدما وعدت وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني، في آذار 2019، بعد اقرار السلفة، بتحديث ورقة سياسة قطاع الكهرباء (التي أقرت عام 2010) “خلال الـ 100 يوم القادمة والتي تهدف إلى تخفيض العجز الناتج عن الدعم وذلك عن طريق: خطة واضحة ومحددة لتفعيل الجباية، حملة وطنية لنزع التعديات، رفع التعرفة تدريجياً وبأسرع وقت ممكن كَون التعرفة المتوازنة كفيلة بتأمين إيرادات كافية للمؤسسة تغنيها عن السلف السنوية، البدء بتحصيل الديون المتوجبة للمؤسسة التي هي بحدود الـ 2500 مليار ليرة، من الإدارات والمؤسسات العامة وايضاً من استرداد الـ TVA، مشيرة إلى أنّ هذه الاعتبارات دفعتها “للطلب من المجلس النيابي سلفةً تغطي فقط الفترة المطلوبة لتحضير الخطة وإقرارها ضمن مهلة المئة يوم”… ومع ذلك، أقرت سلفة مماثلة في العام 2020، من دون أن تظهر نتائج الخطة التي وعدت البستاني بتطبيقها. لا بل انخرطت هذه المسألة في “الصراع الوجودي” حول الحكومة، حيث يتخذ الفريق العوني من العتمة شبحاً لتهديد خصومه بقدومه في حال لم تمنح مؤسسة كهرباء لبنان هذه السلفة، فيما يعتبر الآخرون، وبينهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، أنّ المدخل إلى السلفة، هو قيام حكومة، متخذين من هذه المسألة الحيوية، الذراع التي يستطيعون ليّ ذراع العهد بواسطتها.
حتى الآن، لم يتأكد النواب ما اذا كان اقتراح القانون سيكون مدرجاً على جدول الأعمال كونه لم يوزّع عليهم، ومع ذلك ثمة كتل راحت تتشاور في ما بينها حول كيفية التعامل مع الاقتراح في حال عرضه على النقاش. وفق أحد النواب المتابعين للملف، قد يتمّ التصويت على سلفة انتقالية كي لا يُحمّل مجلس النواب مسؤولية العتمة حين ستحلّ على شريحة كبيرة من اللبنانيين، الذين لا يستطيعون تحمّل أعباء فواتير المولدات الخاصة. وذلك كحلّ وسطيّ، لا “يريح” وزير الطاقة، ولا يسمح بتسلل العتمة، أقله لفترة محدودة.
ومع ذلك، فإنّ المعضلة الحقيقية للسلفة ليست في اقرارها في مجلس النواب، لأنها بالنتيجة ستجد طريقها عاجلاً أم آجلاً إلى الاقرار، وإنما في كيفية صرفها. في الواقع فإنّ المطلوب 1500 مليار ليرة، أي مليار دولار، كونها كلفة فيول سيتولى مصرف لبنان دفعها من دولاراته التي تكاد تنضب، في حين أنّ قيمتها في السوق السوداء لا تتجاوز الـ140 مليون دولار. فهل سيفعلها؟
بالتوازي، فإنّ المفاوضات الجارية بين مصرف لبنان ووزارة الطاقة، بمشاركة رئاسة الحكومة، حول فواتير مؤسسة كهرباء لبنان للشركات المشغلة للمعامل وغيرها من مستحقات العام 2020 والتي تتجاوز قيمتها الـ360 مليون دولار، لا تزال تراوح مكانها، ولم تشهد أي تقدم.