IMLebanon

لبنان والحرب الإلكترونية مع «النصرة» و«داعش»

نشطت «داعش» و«النصرة» عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وفي مقدّمها «تويتر»، فجعلتا منه موقعاً رسمياً ومنصّة مناسبة لنشر التهديدات وتجنيد المقاتلين وتعزيز المنظّمتين، ما أثار الذّعر في صفوف اللبنانيين، وأشعَل الوضع الداخلي، خصوصاً في قضية العسكريين المخطوفين واستخدام هذين التنظيمَين الإرهابيَين موقع «تويتر» لتهديد الأهالي وتحريك الشارع والهجوم على الحكومة اللبنانية ومؤسسات الدولة.

على رغم الصعوبة في معرفة المستخدمين الفعليّين لمواقع التواصل الاجتماعي، أغلقت شركة «تويتر» الحساب الرسمي الذي كانت تبنَّته «النصرة» في القلمون تحت اسم «مراسل القلمون»، وهو الحساب الذي تُعلن عبره «الجبهة» تنفيذها عمليات الإعدام بأحد العسكريين المخطوفين، أو تُحدّد من خلاله مواعيد إعدامهم (على رغم أنها تتبدّل في ضوء اتصالات الوسطاء).

وقد استخدَمت «النصرة» هذا الموقع أيضاً للإعلان عن نشاطاتها في بلدة عرسال ومحيطها على الحدود السورية. ولكنّ هذا الإجراء، لم يمنع «الجبهة» من فتح حساب جديد بالاسم نفسه، عبر المفتاح @JNQalamon.

الحرب الالكترونية مستمرّة، وقد تكون أشدّ صعوبة وتعقيداً من أيّ حرب ميدانية، إذ لا تراجع مهما بلغ عدد البلاغات الهائل على مضمون تغريدات «النصرة»، التي من شأنها دفع إدارة الموقع إلى إغلاقة.

فإلى متى ستستمرّ «النصرة»، و»داعش» وأخواتهما في الحرب الإعلامية التي تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من معركتها التي استهدفت مناطق واسعة في الشرق الأوسط، فاعتمدت عليها للتسويق لبطولات إجرامية بعيدة كلّ البعد من حقيقة إجرامها وسفكها لدماء الأبرياء؟

«لعنة» التقدّم التكنولوجي

سمَح التقدّم التكنولوجي لنماذج من الارهاب المتنوّعة، بالإغارة على مواقع الشبكات الإجتماعية التي تجمع ملايين المستخدمين، وفي مقدّمها «تويتر» و»فايسبوك»، كوسيلة لنقل تهديداتها ومعلوماتها الإرهابية. عشرات القصص والصور الدموية تُنشر يومياً على وسائل التواصل الاجتماعي يتعرّض خلالها المستخدمون إلى عمليات إرهابية.

وعلى رغم أنّ خبراء الكمبيوتر شبه متأكدين بأنه من المستحيل عملياً أن تتسبّب هذه المواقع بوفاة شخص أو على الاقلّ مجموعة من الناس، وذلك انطلاقاً من المعنى الحقيقي لكلمة إرهاب، إلّا أنّ التهديدات التي تطلقها الحركات الأصولية تُعتبر جريمة بحدّ ذاتها لأنّها متصلة بالجرائم التي تنفّذها على أرض المعركة، إضافة إلى تلاعبها بأعصاب الناس وشنّ حرب نفسيّة قد تكون فتاكة أكثر من أيّ معركة ميدانية.

يستخدم الإرهاب «الإنترنت» لأنّها وسيلة أسهل وأسرع في عالم التكنولوجيا، مقارنة مع الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، إذ يمكن لأيّ شخص فتحَ حساب وتزويده بالمحتوى الذي يريد بلا أيّ رقابة تحاسبه أو تدينه.

وفي «كبسة زرّ» ينقل المعلومات التي يريدها إلى ملايين المستخدمين، وهذا ما يستدعي القول إنّ الإنترنت يُعزّز من قدرات التنظيمات الإرهابية وتأثيرها في الجمهور، ويمنحها «هالة» من الرّعب والسيطرة على شريحة واسعة من الناس، كما هي الحال في قضيّة المخطوفين العسكريين، وما تركه هذا الملفّ من إرباك وخوف في صفوف الأهالي الذين يتلقون باستمرار رسائل من الخاطفين عبر «تويتر» لتهديد الدّولة وابتزازها.

وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ رصد المواقع لمعرفة هويّة مَن يدير أيّ موقع، أمر صعب ويتطلّب إجراءات تقنيّة كثيرة، ما يعني، أنّه لا يمكن اتخاذ أيّ إجراء استباقي لإيقاف الموقع الذي يبثّ التهديدات الإرهابية، إلّا بعد التأكد من أنّه يخالف فعلاً النظام العام والمبادئ العامة، وأنّ ما ينشره يُشكل جريمة تهديد يعاقب عليها القانون اللبناني.

هوية المستخدمين

ويشرح الخبير في شؤون التواصل الاجتماعي شادي أبو جودة أنّه «لا يمكن معرفة هويّة المستخدمين الحقيقية، التي قد تكون اسماً مستعاراً، ولكنّ، شركة «تويتر» تستخدم تقنيّات تُسهّل ملاحظة كلّ العبارات النابية والشريرة من قتل وإجرام، فيضيء عليها النظام بعد استخدامها أكثر من مرّة، قبل اتخاذ أيّ قرار بإقفال الموقع»، مشيراً إلى أنّ «القرار بإقفال موقع «تويتر» لـ»مراسل القلمون» استغرق من 3 إلى 4 أشهر للتأكد منه».

ويقول أبو جودة لـ«الجمهورية» إنّ « الدّولة اللبنانية لا تملك الإمكانات اللازمة لاتخاذ إجراء استباقي، لأنّه من الناحية التقنية يجب الرجوع إلى شبكة الانترنت العالمية، ولا يمكنها كذلك التأكد من أنّ الموقع تابع لتنظيم إرهابي، ولا مِن مصداقيّة المعلومات إلّا بعد تنفيذ التهديدات على أرض الواقع».

ويضيف: «لكلّ مستخدم هويّة رقمية، والمعلومات التي يستخدمها عبر التواصل الاجتماعي تمرّ بالـserver ويمكن تحديدها في شركة «تويتر»، ولهذا يصعب على الدولة الملاحقة في جريمة التهديد والمعلومات الإجرامية، نظراً إلى تعقيد الاجراءات الإلزامية والتقنيات المطلوبة».

ويؤكد أبو جودة أن «لا شيءَ يمنع من استهداف «داعش» و»النصرة» مواقع الحكومة اللبنانية، لأنّ التجارب السابقة في عالم الانترنت أثبتت أنّهما يصرفان المجهود على تطوير أدائهما الذي يُعتبر إلى حدٍّ ما متقدّماً جدّاً من الناحية التقنيّة، وهذا الأمر شهدناه من خلال صورة الشهيد علي البزال التي عُدّلت على «ماكنتوش» وغُيّرت ألوانها»، مشيراً إلى أنّ «الحلّ الوحيد للحكومة اللبنانية هو بالتصدّي للإرهاب الإلكتروني عبر تحصين الخلايا الموضوعة للآلات الالكترونية لديها».

ويعتبر أبو جودة أنّ «الارهاب الإلكتروني تحوّل من مفهومه النظري إلى واقع فعلي، وذلك بمجرّد ملاحظة أنّ الكلام الإرهابي والتهديدات تنفّذ فعلياً، مع الإشارة إلى أنّ التهديد عبر وسائل التواصل الإجتماعي يُشكّل جريمة بحدّ ذاتها بسبب إرتباطها الوثيق بالتنفيذ الجرمي».

حقّ الدولة في معاقبة الإرهاب الإلكتروني

ونتيجة غياب قانون «المعلوماتية» الذي يُطبّق على الجرائم المعلوماتية المرتكبة عبر شبكة الإنترنت cybercrime. يلجأ القاضي عندما تُفرض عليه جرائم من هذا النوع إلى القوانين العامّة خصوصاً قانون العقوبات اللبناني. وفي هذا السياق، يمكن القول إنّ النصوص القانونية اللبنانية تحمي المواطنين من الجرائم عموماً، ومن ضمنها الإرهاب الإلكتروني.

ويقول الدكتور داني نعوس وهو أستاذ في قوانين الملكية الفكرية، إنّ «الوسائل التي تنصّ عليها المادّة 209 عقوبات لم تحصر الوسائل المستخدَمة لجريمة القدح والذمّ بتلك التقليدية، ما يعني أن لا شيءَ يمنع من أن تكون الوسائل الإلكترونية أيضاً وسيلة للتشهير والتهديد والتعدي على الدولة والجيش اللبناني».

ويضيف: «على سبيل المثال، يمكن تطبيق المواد 281، 282 و283 على مَن يدخل الى أيّ مكان محظور ويستولي على اشياء أو وثائق أو معلومات بقصد إفشائها. ويمكن تطبيق المادتين 473 و474 عقوبات على الافعال التي تشكل مساساً بالشعور الديني بأيّ طريقة كانت، ويمكن أيضاً تطبيق المادة 655 عقوبات لمعاقبة جرائم الاحتيال إذا حصلت المناورات الاحتيالية بواسطة وسائل الكترونية.

من جهة اخرى، يمكن تطبيق المادة 140 من القانون الصادر في تاريخ 27/10/1999 الذي يرمي الى صون سرية المخابرات التي تجري بواسطة أيّ وسيلة من وسائل الاتصال (الانترنت)، والى تجريم الاعتراض غير الشرعي، اضافة الى القانون الرقم 431/2002 المتعلق بتنظيم قطاع خدمات الاتصالات على الاراضي اللبنانية الذي تضمَّن تنظيماً لخدمات الانترنت من الناحية الفنية، وإعطاء التراخيص لتشغيلها مع فرض عقوبات وملاحقات قضائية على بعض المخالفات».

ويؤكد أنّ «أيّ موقع يُستخدم من أجل نشر أعمال وأقوال غير مشروعة، تمسّ بحرمة الدّولة ومكانتها وتُهدّد بالفتنة والإرهاب وتنشر الذعر في المجتمع وتُحرّض على القتل وإثارة النعرات الطائفية، يغلقه القضاء اللبناني، وتحديداً قاضي الأمور المستعجلة الذي له الصلاحية في ذلك، حتى لو كان الموقع تابعاً لشركة أجنبية كما هي الحال مع «تويتر»، وذلك تطبيقاً لمبدأ الصلاحية الاقليمية المنصوص عنها في المادّة 17 عقوبات والتي تقتضي بأن تكون الجهة المسؤولة للنظر في النزاع هي حيث المكان الذي وقع فيه الضرر».

ويشير نعوس الى «حقّ الدولة اللبنانية بإقفال حساب «مراسل القلمون» الذي ينشر التهديد والقدح والذمّ والتشهير وغيرها من الأعمال غير المشروعة ضدّ الدولة والجيش اللّبناني».

وهل يحقّ لشركة «تويتر» إقفال حساب «مراسل القلمون» من دون أن تطلب منها الدولة اللبنانية ذلك؟ يجيب «قد تكون لشركة «تويتر» صلاحية إقفال الحساب تطبيقاً لبنود في العقد المبرَم مُسبقاً مع الدّولة اللبنانية بتقديم خدماتها على الأراضي اللبنانية، والذي مفاده أن يُسمح لـ«تويتر» بأن تُقفل أيّ حساب تتعرّض فيه الدّولة اللبنانية للإساءة من خلال القدح والذم وكلّ أنواع الإرهاب الإلكتروني، الأمر الذي قد يُفسّر عدم إقدام أيّ جهة رسميّة لبنانية على إقفال حساب «جبهة النصرة».

أمام هذا الواقع القانوني، تبرز أهمية اصدار تشريعات خاصة لهذه الجرائم يكون من شأنها الاحاطة بكلّ انواع التعديات الالكترونية التي ظهَرت نتيجة التطوّر الهائل والسريع في تكنولوجيا المعلومات.