لن تستكين «داعش». فالمخطط الذي بدأ بتفجير انتحاري مزدوج في بعل محسن لن يتوقف على الأرجح. وما يجري في جرود بعلبك- الهرمل هو الخطوة الثانية، والآتي على الطريق.
بأيّ ثمن، تريد «داعش» و«النصرة» ضرب القرار الدولي بوضع لبنان تحت سقف الإستقرار في الحدّ الأدنى. ويستاء التنظيمان من إنعدام التجاوب السنّي مع مخططهما. ففيما هما يطمحان إلى إنخراط السنّة اللبنانيين في صدام مع «حزب الله» وإعلانهم العصيان على مؤسساتها، ذهب «المستقبل» إلى الحوار مع «الحزب»، لا إلى الصدام، وتشاركت القوى السياسية جميعاً في تفكيك خليّة رومية وسواها.
وفشل التنظيمان في تحويل عملية جبل محسن فتنة سنّية- شيعية. ولذلك، يحاولان اليوم تكراراً إشعال جرود رأس بعلبك- القاع وعرسال- القلمون. ووفق المطلعين، تضع «النصرة» نصب عينيها أولوية المواجهة مع «حزب الله» مرحلياً، فيما تريد «داعش» ضرب الجيش بإعتباره ممثلاً للسلطة التي تحمي «الحزب» وتورُّطه في سوريا. وتدور بين الجانبين منازعات «موضعية» في القلمون السوري وجرود عرسال لإثبات «مَن الأقوى» على الأرض، لكنهما يتشاركان المواجهة والأهداف.
وفي الأسابيع الأخيرة، تحدّث «الجيش السوري الحر» عن إحتمال دخول 1000 عنصر من «داعش» و600 من «النصرة» إلى جرود عرسال هرباً من القلمون السوري. ثم تحدثت تقارير عن دخول هؤلاء فعلاً.
ويزداد الضغط على عرسال بهدف إخراجها من سقف السلطة اللبنانية تماماً، بعدما فشلت محاولات مماثلة في تحويل طرابلس إمارة إسلامية. ويخشى البعض أن تكون عرسال ضحية موقعها الجغرافي… في لبنان وسوريا.
ويعود محللون إلى توقع وزير الداخلية نهاد المشنوق مراراً بأن يكون العام 2015 ساخناً أمنياً. فالتقارير الواردة إلى المعنيين تؤكد أنّ التنظيمين سيعملان على زعزعة الإستقرار في المرحلة المقبلة، في محاولة لفرض حضورهما في اللعبة الداخلية.
وفي تقدير البعض أنّ التنظيمين يرغبان بتأكيد الآتي: عندما كان الصراع دائراً بين محورَي السعودية وإيران، كان يمكن أن يتحاور تيار «المستقبل» و«حزب الله» ويتفقا على التسوية.
لكنّ الصراع الدائر اليوم يتجاوز هذين الطرفين. فعلى الأرض، تدور المعارك الدموية بين محور إيران من جهة و«داعش» و«النصرة» من جهة مقابلة. ولذلك، كيف يمكن أن تتمّ التسوية، من دون أن تراعي مصالحهما؟ فالتنظيمان يريدان حصة من التسوية السنّية- الشيعية. وهذا ما يرفضه السنّة والشيعة في لبنان على السواء.
وإذ وافق «المستقبل» على محاورة «حزب الله»، وتحييد لبنان عن النار السورية، متجاوزاً تورُّط «الحزب» في الحرب السورية موقتاً، فإنّ «داعش» و«النصرة» يريدان إبقاء لبنان موصولاً بالنار السورية للضغط على «الحزب»، والقول إنّ التحييد لا يكون من جانب واحد، أيْ من الجانب السنّي، دون الجانب الآخر.
ولذلك، ووفقاً للمتابعين، يمكن أن يستخدم التنظيمان أوراقاً عدة، بالتسلسل أو دفعة واحدة، للضغط على لبنان:
1- إستعادة أجواء السيارات المفخَّخة والعمليات الإنتحارية التي ضربت مناطق الضاحية والهرمل في العام الفائت.
2- خطف مزيد من العسكريين اللبنانيين لتكون ورقة الخطف أكثر تاثيراً.
3- الإفادة من وضعية الأمن الذاتي في عين الحلوة لإبقاء المخيم ملاذاً للخلايا الإرهابية. فليس من مصلحة «داعش» و«النصرة» فتح معركة خاسرة في المخيم. والأفضل بالنسبة إليهما إبقاء «الستاتيكو» الحالي الذي يتيح هامشاً من التحرّك، بدلاً من تحويله «نهراً بارداً» آخر. ويلتقي هذا الهدف مع رغبة «فتح» والقوى الكبرى في المخيم بتجنيبه المغامرة.
4- الردُّ على خطوات الدولة المتخَذة في سجن رومية.
5- إبقاء عرسال وجرودها في الفوضى ودفعها إلى خارج السيطرة اللبنانية الشرعية.
6- تحويل جرود رأس بعلبك- القاع محوراً ساخناً يستنزف الجيش. فهذه المنطقة صعبة المسالك والتضاريس الجغرافية، ولا سيما في موسم الثلوج. ويريد التنظيمان أن يسارعا إلى إحتلال نقاط إستراتيجية فيها تسمح لهما بالتوسُّع وإضعاف سيطرة الجيش، ما يحوِّل المنطقة قاعدة إنطلاق محاذية لجرود عرسال، ومن هذه النقاط «تلة الحمرا».
ويدرك الجانب اللبناني مخاطر السيطرة على جرود رأس بعلبك- القاع، وأبرزها إحتمال وقوع البلدتين في قبضة التنظيمين، وتحويل منطقة الجرد، من الداخل السوري إلى عرسال فرأس بعلبك والقاع، منطقة نفوذ للإرهابيين، خارجة تماماً عن سلطة الدولة، على غرار ما فعلت طالبان في جرود باكستان وأفغانستان، حيث تغلغلت في أوكارٍ وعرة يصعب النفاذ إليها عسكرياً… إلا في ظل قرار عسكري حاسم وحازم ومكلف.
ولذلك، يواجه الجيش هذه المحاولات ويتكبَّد الشهداء. وثمة تغطية دولية «نسبية» لدوره في منطقة الحدود مع سوريا، إنطلاقاً من الغطاء الدولي لإستقرار لبنان. لكنّ المشكلة ستتفاقم لأنّ الحسم العسكري صعب.
وبالتأكيد، هناك مرحلة ساخنة، وفق ما توقَّع المشنوق وآخرون. ولا تبقى سوى الروزنامة: ما هي الأوراق المستخدمة قبل سواها؟
وحرب الإستنزاف الطويلة الأمد مع «إمارة الجرد» الإسلامية باتت أمراً واقعاً، إلى أن تقضي المعادلات بتغييرٍ ما في الخرائط… في سوريا أولاً، وفي لبنان تالياً.