أتم الشغور الرئاسي سنته الثانية وأضاء شمعته الثالثة، بانتظار انتخاب رئيس للجمهورية يعيد للمؤسسات ديناميتها ويوقف حالة التحلل في كل مرتكزات واسس الدولة.
عندما اقفلت ابواب الجناح الرئاسي في قصر بعبدا في 25 ايار العام 2014، وصمتت نافورة المياه التي يؤذن انبعاث مياهها بوجود رئيس الجمهورية في مكتبه الرئاسي ممارسا مهامه الدستورية ونشاطه الرسمي، ولم يبق الا جناح المديرية العامة للرئاسة والمديريات والمصالح والدوائر والاقسام التابعة لها تعمل بدينامية وفاعلية بانتظار قدوم الرئيس العتيد، كان الامل معقوداً على ان فترة الشغور لن تستمر الى امد غير معلوم.
اما عن مسارات الاستحقاق الرئاسي الممكن ان توصل الى تحقق انتخاب رئيس، فالبعض يعطي لمستقبل هذا الاستحقاق المعلّق، مسارا لبنانيا يقول باتفاق القيادات السياسية على اتمامه بنكهة لبنانية خالصة، والواقع لا يوحي بامكانية الوصول الى اتفاق نظرا للتجاذبات الحادة التي تزداد يوما بعد آخر.
هناك فريق وازن يقول بمسار خارجي، وايضا هذا المسار لا يوحي بالاطمئنان ولا يمكن الركون اليه كليا، لان لبنان لا يزال الى اليوم، خارج اولويات الدول التي تضع كل اهتماماتها في الحرب السورية واليمنية والعراقية.
أما الترياق السعودي والايراني الذي يعتبر الرئيس نبيه بري ابرز المبشرين به والمراهنين عليه ويلتقي معه كثيرون، فان هذا الترياق دونه عدم الوصول الى تفاهم بين الرياض وطهران على حل نهائي وحاسم لحرب اليمن يمكن ان يؤسس لانفراجات في ما خص الازمات الاخرى. ولكن المعطيات تشير الى أن ثمة ما يجري بعيدا عن الاضواء بين اطراف الازمة اليمنية والسعودية الذي يمكن ان يؤدي الى مكان ايجابي ما، ولكن لا احد يمكنه الجزم بحصول ذلك الانفراج، وان حصل هذا التطور الايجابي الحاسم فالارجح انه سيتأخر.
بالتالي، أطفأ لبنان شمعة السنة الثانية للشغور الرئاسي، وبدأ السنة الثالثة من دون رأس للدولة، في سابقة لا يذكر احد انها حصلت في دول العالم، اقله التي تعتمد النظام الديموقراطي البرلماني او الرئاسي.
في ظل هذا الشغور، ما هي حال القصر الجمهوري؟
وباستثناء جناح الرئيس المعلّق فتحه على انتخاب رئيس جديد، هناك جناح المديرية العامة لرئاسة الجمهورية الذي يعمل كخلية نحل لا تهدأ. المديرية العامة مرّت بمراحل تطور متلاحقة، تبدلت معها المهام ولكن بقي الدور هو نفسه، وصولا الى العهد الاخير الذي شغل فيه، ولا يزال، المدير العام الحالي الدكتور انطوان شقير موقع المدير العام لرئاسة الجمهورية، حيث باشر على الفور وضع خطة تحديث وتطوير واستحداث فروع واقسام تتلاءم والمهام الموكلة للمديرية.
وكون رئاسة الجمهورية هي حافظة لذاكرة لبنان الرسمي، ونظرا لمراحل عجاف مرّ بها الوطن ادت الى فقدان الكثير من المعلومات التي يجب ان تكون محفوظة ومحمية في رئاسة الجمهورية، وحتى لا يؤثر الشغور الرئاسي على سياق متابعة كل ما يتصل بعمل الدولة، عمد شقير، وبدعم ومواكبة من رئاسة الحكومة والوزارات، الى المباشرة بتنفيذ انجاز مشاريع تمنع اي انقطاع، ومنها مشروع ارشيف الرؤساء السابقين الذي يشكل عملا جبارا كونه يتطلب جهدا مضنيا.
اما ابرز المشاريع الاخرى التي يعمل عليها فهي: مكننة برنامج الموارد البشرية وبرنامج مخصص لإعداد الجردات السنوية على الموجودات، وبرنامج ادارة المحاسبة، البريد الداخلي، اعمال مجلس الوزراء، بالاضافة الى انه تم العمل على وضع برنامج معلوماتي خاص لحفظ المراسيم والقوانين، المراسيم منذ العام 1943 وبلغ عددها حتى نهاية ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان (148,698) والقوانين منذ العام 1926 والتي بلغ عددها ايضا (5633) من ضمنها (1374) مرسوما اشتراعيا. بالاضافة الى اعادة تكوين وترميم الملفات الورقية العائدة لهذه المراسيم والقوانين، وتم اعادة ترميم وتجهيز القاعة الخاصة بالمحفوظات، لا سيما لجهة مستوى الرطوبة والانارة، وتم تجهيز هذه الغرفة برفوف وخزائن خاصة بالارشفة لتسهيل عملية تنظيم وادارة المحفوظات وسهولة الوصول اليها عند الحاجة، كما تم وضع نظام كشف ومنع الحرائق للمحافظة على ذاكرة رئاسة الجمهورية في ما خص المراسيم والقوانين.
كل شيء جاهز في قصر بعبدا، لوجستيا وبشريا وتقنيا، كما ان الكادر الوظيفي اخضع لسلسلة من الدورات المتخصصة، ويعمل شقير وكأن رئيس الجمهورية سيصل غداً الى جناحه ويباشر مهامه من مكتبه الذي ينتظر مع اللبنانيين الفرج الرئاسي.