الفراغ في لبنان من أمامكم و”الفَدْرَلة” في سوريا من ورائكم، وألالغام بكل أنواعها وأسمائها مزروعة على امتداد العالم العربي، فأين المفر؟
ليس من السهل علينا تجاهل الوضع اللبناني المأزوم منذ سنتين، والمهمل كلياً ونسبياً على الصعيدين الإقليمي والدولي، من أجل الاهتمام بما حصل في القاهرة بين مصر والسعوديَّة، نتيجة زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز، التي استمرت خمسة أيام وأثمرت سبعة عشر اتفاقاً في مختلف الحقول.
كذلك الأمر بالنسبة الى قمة منظّمة التعاون الاسلامي، التي استضافتها تركيا، وفي اعتقادها أنها باستضافتها لهذه القمة تستعيد دورها القديم كقوّة مسلمة كبرى. مروراً بـ”جنيف سوريا”، وما يتعرّض له العراق المزعزع من أربع رياح الأرض.
فالفراغ الرئاسي الذي يتمتع بمرارته وقسوته لبنان لن يبقى كالحمل حتماً، ولا مثل الصبي مع خالته. بل قد يتحوَّل، بدوره، مشكلة فائقة التعقيد، مع دزّينات من تداعيات وذيول تطرطش المنطقة، بكل تناقضاتها، وحروبها، وتطلعاتها.
وهنا، لا بدّ من إعادة تذكير العالم العربي والمسؤولين العرب بأن لبنان صالون عربي عريق، يضم ثماني عشرة طائفة. عدا السهو والخطأ…
على هذا الأساس نعود الى الوضع اللبناني، والمأزق اللبناني، واستلشاق العرب والدول العظمى بلبنان، من دون القفز فوق الزيارة المرحَّب بها جداً للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.
ليس من الضروري العودة الى ما يردّده خبراء أوروبا ومحللو أميركا، وخلاصته أن العرب يخوضون حرباً عظمى مهمتها تدمير العالم العربي وقضاياه الكبرى نيابة عن إسرائيل، وبتشجيع من إيران. وهذه حكاية لا تخلو من تعقيدات وخفايا لا حصر لها…
اذا كان كبار المسؤولين والقادة الذين التقاهم الرئيس نبيه بري في القاهرة قد جاهروا بحيرتهم من جرّاء استمرار الفراغ الرئاسي، وألحّوا عليه طالبين إيضاحاً أو جواباً عن الأسباب التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية، فماذا لدى برّي في هذا الصدد؟ وبِمَ يجيب حامل همّ أم العريس وأم العروس معاً؟
ليس في الاحتياط سوى الاستمرار في بذل الجهود والمساعي للحفاظ على الاستقرار من جهة، والمثابرة على “حوار الصورة”، والتمسّك بالتفاؤل ولو على شفير اليأس، إن لم يكن في حضنه.
حتى عندما يقول في جواب له عن سؤال “رئاسي”: “إن الكذب خلص والصدق خلص”، ولم يبق في قعر السلة ما يستحقّ الاهتمام: مطرحك يا واقف!
حين تُطرح أزمة الفراغ الرئاسي، يقول السائل: “عند جهينة الخبر اليقين”. وإذا أجاب بري بأي كلام، يقول السامعون: إذا قالت حُذَام فصدّقوها، إن القول ما قالت حُذامُ.
أما الواقع اللبناني بحدّ ذاته، فخلاصته: باطل الأباطيل كل شيء باطل وقبض ريح.