IMLebanon

لبنان يواجه مربعات تتراوح بين الاعتدال والتطرف

 

ترجيحات سياسية بالاعتدال تسبق الصراعات الحزبية

لبنان يواجه مربعات تتراوح بين الاعتدال والتطرف

وخياره الأساسي البقاء في دوحة التهدئة

السؤال الذي يطرحه الرئيس العماد ميشال عون، هل البلاد مقبلة على حرب باردة أو على مواجهة ساخنة. وفي كلتا الحالتين، فإن لبنان يواجه الآن أياماً صعبة، واحاجي معقدة. والخلاصة تكمن في أن البلاد واقعة تحت مظلة سياسية غامضة الأهداف، ومعقدة النتائج.

وعندما دعت المملكة العربية السعودية بعد ظهر الأربعاء الماضي، رعاياها الى مغادرة لبنان فوراً، وكان وزير الدولة السعودي السبهان يحط رحاله في الولايات المتحدة كان الوزير السعودي عادل الجبير يتصرف، كما كان يتصرف زميله الأمير سعود الفيصل، ليؤكد له ان المملكة العربية السعودية هي صديقة وفية للبنان في السرّاء والضرّاء.

عندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري في قلب مدينة بيروت، كان يحضر قبل ساعات جلسة نيابية حامية الحوار، تهدف الى محاصرة زعيم بيروت العتيد.

كان سعد الحريري لا يزال في السعودية، عندما طلبت المملكة من رعاياها مغادرة بيروت فوراً، بعد زيارة خاطفة الى دولة الإمارات العربية المتحدة، والناس تختلف في تحديد موعد عودته الى بيروت. لكن، هذا الطلب شكل ذروة المواجهة بين المملكة وايران.

والسؤال: لبنان الى أين؟

رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالكاد أنهى مشاوراته في القصر الجمهوري في بعبدا، والتقى رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة السابقين ورؤساء الكتل النيابية والزعامات السياسية والسفراء العرب والأجانب، لكنه أثبت انه، وللمرة الأولى، يجري هذه الكمية من المشاورات والتهديدات تتوالى على لبنان، وهو الزعيم القادر والمؤهل، لقيادة السفينة في بحر هائج لتجنيبه المصير القاتم الذي يتربص بالوطن وهو الحريص على تجاوز أزمة لم يعرف حدتها سابقاً.

 

لقد مضى عام على وجوده في السلطة، وثمة ثلاثة مربعات أصبحت البلاد داخلها: مربع الحكم الصعب، مربع الحرب الساخنة والباردة ومربع الإستقرار الغامض، في ظروف مالية ونقدية دقيقة.

كان الناس يتساءلون: لبنان الى أين؟

هل يتجه رئيس الجمهورية بعد الإنتخابات النيابية في الربيع المقبل، الى حكم النظام الواحد، ام انه استساغ الحكم في نظام جامع ومشترك بين أرباب النظام وأصحاب الأحلام والرؤى والرؤية المتضاربة غالباً والمتقاربة أحياناً.

في الأسبوع الأخير، التقى معظم القيادات في البلاد، على الولاء الحر لقيادة العماد عون، لما اظهر من حكمة وتوازن، واضحت نصائحه دستوراً مقدساً للبلاد، لما عرفت في أيامه الأسابيع الأخيرة، من اطلالة واقعية على المخارج الصعبة، ووقوف على اطلال الأزمات.

لكنه، أظهر ارتياحاً لا ارتياباً في دحض الأفكار البالية، وتقبل المبادئ السهلة في تلّقف كل ما هو مفيد للبلاد.

ليس سهلاً أن تكون في البلاد مجموعة اطلالات على المستقبل، سواء من القصر الجمهوري، أو من عين التينة مقر الرئاسة الثانية أو من بيت الوسط الذي تركه سعد الحريري لاعضاء كتلته النيابية، او لدار الفتوى حيث تقاطر الزعماء المسلمون والمسيحيون اليها، للوقوف على ما عند المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان الذي زاره أيضاً القائم الجديد بالأعمال السعودي الوزير المفوّض وليد البخاري، بعد تقديم رئيس مجلس الوزراء استقالته وهو في السعودية وليس في لبنان.

ويقول وليد نمر ان الحركة في عائشة بكار ليست كعادتها. والمفتي دريان هو المفتي الخامس للجمهورية ويقود مرحلة صعبة، لا تقل أهمية عن المراحل التي عايشها اسلافه، منذ عهد الإنتداب الفرنسي حتى اليوم، وابرزهم الشيخ محمد توفيق خالد، والشيخ حسن خالد، من دون نسيان توقعات لزيارات عديدة لدار الإفتاء، والتركيز ينصب على عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت، خصوصاً بعد اعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري معارضته لتشكيل حكومة تكنوقراط.

ويقال ان التركيز حتى الساعات الأخيرة، على عودة الرئيس الحريري، والدعوة الى التريث في تشكيل أي حكومة مقبلة، وعدم تأليفها من تنسيق مع الرئيس الحريري.

ويبدو ان الذين يعارضون الرئيس الحريري، يناورون على ترشيح شقيقه الأكبر بهاء الدين الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة، لكن هذا الطرح واجه ويواجه معارضة صارمة من معظم قادة الطائفة السنية.

ويقول العارفون بالاسرار ان السعودية لم تجاهر بهذا الطرح، خصوصاً وان معظم القادة السنّة، وفي مقدمتهم الرئيس نجيب ميقاتي والوزير عبد الرحيم مراد ليسوا من هذا التوجه ولا أحد منهم مؤهل لمواجهة سعد الحريري الذي يحظى الآن بتغطية واسعة من معظم القيادات في الطائفةالسنية، من دون نسيان ان حزب الله برئاسة السيد حسن نصرالله بفضل التفاهم مع المرشح الأقوى في الطائفة السنية، والتاريخ يثبت قدرة دار الفتوى على مواجهة الأزمات، ذلك ان منصب مفتي الجمهورية نشأ عام ١٩٥٢، وقبل ذلك وخلال العهد العثماني كان منصب مفتي الجمهورية، مفتي بيروت وعند وفاة مفتي بيروت مصطفى نجا انتخب للمرة الأولى الشيخ محمد توفيق خالد مفتياً للجمهورية اللبنانية، فقام بدور سياسي وديني مهم في مواجهة الإنتداب الفرنسي.

وفي رعاية خالد اجتمعت الطوائف اعتراضاً على المرسومين التشريعيين عام ١٩٤٩ و١٩٥٠ الصادرين في عهد رئيس الجمهورية ايوب تابت، فعينت السلطة الفرنسية رئيساً آخر هو الرئيس بترو طراد.

الا ان المفتي محمد عندما تولى المنصب عام ١٩٥٢، وعقد يومئذ اجتماع للطوائف الإسلامية، وفي منتصف الخمسينات اعترض رئيس الجمهورية كميل شمعون على تلك المواقف، ورفض قطع علاقات لبنان بكل من فرنسا وبريطانيا، ولذلك فقد استقال رئيس الحكومة عبدالله اليافي، ووزير الدولة صائب سلام.

اما المفتي الشيخ حسن خالد، فقد دفع حياته مقابل قضية الإعتدال والتعايش، تسلم دار الافتاء عام ١٩٦٥ وسقط شهيداً عام ١٩٨٩ والمفتي حسن خالد كان يجمع دائماً رؤساء الطوائف الثلاثة شيعة، سنّة ودروز خصوصاً في الازمات كالإجتياح الاسرائيلي ومجزرة صيدا وشاتيلاً، وتكفي انه في تلك الحقبة جمعت دار الفتوى الآلاف من المسلحين في الملعب البلدي في بيروت، لإظهار وحدة المسلمين والطوائف الثلاث أيام الإحتلال الاسرائيلي لبيروت. وكان المفتي إماماً لكل الطوائف وهي أيام يعتز بها المسلمون لانها تعبر عن وحدة.

أما المفتي محمد رشيد قباني فسهل له جمع الطوائف الإسلامية في حضور الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام ٢٠٠٣.

هل تبقى السلطة مشلولة الحركة، إذا لم يعد الرئيس سعد الحريري الى لبنان، وبقي مجلس الوزراء من دون انعقاد.

والجواب، في نظر علماء الدستور غامض حيناً، وراجح أحياناً لجهة الانعقاد، لان البلد لا يمكنه الاستسلام للفراغ خصوصاً اذا ما أحجم رئىس الحكومة عن العودة الى لبنان، خصوصاً في ظل دعوات أودعها العماد عون البطريرك الماروني الراعي المتوقع أن يصل اليوم الاثنين الى الرياض، وفي ظل دعوات رئيس الجمهورية للقيادات السعودية ولحث الرئيس سعد الحريري على العودة الى لبنان، وتوجيه دعوة الى حكومته للإجتماع.

ويوضح الخبير الدستوري الدكتور زهير شكر ان الاجتماع ممكن، طالما أن رئيس مجلس الوزراء لم يقدم استقالته إلى رئيس البلاد.

ويقول انها لن تكون استقالة نهائية، وبالإمكان الرجوع عنها. في الوضع الطبيعي والمسار الدستوري السليم. العرف هو أن يقدم رئيس الحكومة نص استقالته خطياً الى رئيس الجمهورية، فيصبح عندئذ لا رجوع عنها، ولا يحق لرئيس الجمهورية الا أن يقبلها. ربما قد يكون له حق التمني بالرجوع عنها، إنما لا حق له برفضها مطلقاً. وعليه، وفي ظل هذا الواقع، يمكن لمجلس الوزراء أن ينعقد للتداول في الموضوع الطارئ أي موضوع الاستقالة حصراً، فلا يكون هناك جدول أعمال أو مراسيم التي يفترض توقيع رئيس الحكومة عليها. وهكذا يكون مجلس الوزراء في حال انعقاده. ولكن من دون قرارات انما يفترض أن يسبقه تواصل بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. ومن الواضح ان لا تواصل، وهنا لا بد من التوقف عند نقطة ثانية مهمة الا وهي ان على رئيس الجمهورية الحق في معرفة أسباب الإستقالة، والأهداف لهذه الإستقالة المعلنة، لأن لرئيس الجمهورية والحكومة كرامة ومقاماً يفترض احترامهما في هذا الصدد ولا سيما عندما تكون الاستقالة غريبة في المضمون والشكل. ولم يزد هذا الغموض ان الرئيس الحريري قبل ساعات معدودة من الاستقالة كان يعدد إنجازات حكومته. ويرى الخبراء في الدستور ان اجتماع مجلس الوزراء ان حصل، فلن يؤدي الى مشاكل، بل يمكن أن يوضح الإستقالة، على ذلك يُعاد الاعتبار الى المقامات.

في الأساس يقوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بمشاورات، ويمكن تاليا وضع جلسة مجلس الوزراء في هذا السياق.

عام ١٩٥٢ عندما قال رئيس الحكومة آنذاك سامي الصلح من مجلس النواب، أريد الإستقالة. فبادر رئيس الجمهورية بشارة الخوري الى القول ان تلك الخطوة تستدعي مشاورات لتكليف رئيس حكومة جديد.

اذا يمكن الركون الى هذه الواقعة خصوصاً إذا ما طال الوقت ليكون لمصلحة البلاد، لأن معنى ذلك ان الازمة قد طالت. وحتى الساعة فإن الخبراء يقولون ان استقالة الرئيس سعد الحريري استقالة معلنة وغير مقدمة الى رئيس الجمهورية.

وتقول آراء الخبراء في علم الدستور، إن الإصرار على عودة الرئيس الحريري إلى البلاد، وربط الأمور، بذلك، يميل إلى الاعتبار ان الحكومة الحالية غير مستقيلة وانها بحسب قول الرئيس نبيه بري حكومة كاملة الأوصاف.

ومن البديهي الاشارة إلى ان هذا السلوك المتعقل والهادئ فعل فعله الإيجابي لدى الطائفة السنية، ولدى مرجعياتها السياسية والروحية. والأهم لدى تيار المستقبل نفسه وجهات أساسية حين بدأت تخيّم مشاعر احباط وأحياناً إستياء من معظم التيارات المتسارعة. وعليه أيضاً تعتبر المراجع السياسية، خلافاً لما يُشاع، فإن الوقت والإنتظار عامل يعمل لمصلحة فريق ٨ آذار ولا سيما بعدما ثبت بالدليل الحسي، إن أي عدوان خارجي على لبنان سيعقب حدث الإستقالة ليس بالأمر السهل، وان العين على لبنان ستكون ستاراً لتغطية حدث كبير بهدف احداث فتنة ميدانية تغير مسار الوضع، وعليه توجيه ضربة مزدوجة في آن واحد الى أكبر ذراعين من أكبر اذرعة ايران في الخارج سياسي ضد حزب الله في بيروت وعسكري ضد أنصار الله في اليمن.

وفي استنتاج قطعي للدوائر السياسية نفسها، ان الجزء الأكبر من الترجيحات غير مقلقة أو مستعجلة، ونرى خطواتها بميزان الذهب، والأكيد هو استيعاب المفاصل الاولى لصدمة الإستقالة بكل ثقة.

ويبدو ان مرحلة انتظار عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، بعد اعلان استقالة الحكومة من الرياض، وبعد أن يكون رئىس الجمهورية قد أنهى مشاوراته التي بدأها منذ اعلان الإستقالة.

وفي المعلومات الشائعة، ان مرحلة المشاورات لا تعني الخروج عن التسوية المعلنة قبل عام من الزمان، بل تمهد لخطوات تجسد المفعول الدستوري لتلك التسوية.

اذاً، فإن الموقف المرتقب للرئيس العماد ميشال عون سيعلن الأسبوع المقبل، مع تأكيد من الرئاسة، انه لا يمكن الشروع في إجراء الإستشارات النيابية، في ظل غياب مقومات الاستقالة وظروفها. والأهم من ذلك، ان الطائفة الاسلامية السنية لن تكون في موقع الاستضعاف مهما كانت الظروف، وان ما تقوم به دار الفتوى والإلتفاف الوطني حولها، يؤكد ان العهد ليس في وارد تخطي أي مكوّن خصوصاً في الظروف الحساسة التي يعيشها لبنان، وتمسكه بالوحدة الوطنية.

وفي حال التمسك بالإستقالة من جانب الرئيس الحريري، فعندها لا مناص من السير بالإجراءات الدستورية لتسمية رئيس جديد للحكومة، وسط احتمالات بأن تسمي جماعة الثامن من آذار، من خارج تيار المستقبل شخصاً آخر لرئاسة مجلس الوزراء.

والواقع ان الصراع على النفوذ بين فرنسا وبريطانيا حال دون تنفيذ سياسة لا شرق ولا غرب ومعناها تحييد لبنان. فهل يحول استمرار الصراع على النفوذ بين السعودية وايران دون تحييد لبنان. وهذا يحظى بدعم خارجي وتأييد داخلي.

لقد أعلنت السعودية غير مرة تأييدها لتحييد لبنان لكن ايران لم تعلن ذلك بدليل ان حزب الله المعبر عن سياستها لا يزال يخترق سياسة النأي بالنفس، كما تقول جماعة ١٤ آذار.

لذلك فإن المطلوب من ايران، كما يقولون، اعلان موقف من تحييد لبنان قبل أي شيء آخر.