IMLebanon

سقوط لبنان!

 

 

الكلام الكثير الذي يُقال حول المتغيرات الإقليميّة وإعادة رسم العلاقات السياسيّة بين دول المنطقة قد يلامس بعضه الحقيقة والواقع، فيما قد يسترسل القسم الآخر منه في شيء من التخيّلات التي تُقارب الأمنيات غير المستندة إلى حقائق جديّة.

 

لا شك بأن المنطقة العربيّة تشهد تحوّلات هامة ليس أقلها إعادة تطبيع العلاقات بين عددٍ من الدول بعد سنواتٍ من القطيعة والجفاء. ومن نافل القول أن هذه الخطوات السياسيّة المتلاحقة ليست مرتكزة إلى رؤية أشمل يمكن من خلالها إجراء قراءة لما خلف الكواليس حيال التحولات المرتقبة والتي ترمي بشكل أساسي إلى خلط الأوراق على قواعد جديدة في طليعتها فصل مسارات كانت متلاصقة على مدى العقود الماضية.

 

إذا كان التنبؤ الاستباقي بأن هذه الخطوات من شأنها أن تحقّق خروقات إستثنائيّة على أكثر من صعيد قد ينضح بكثير من التفاؤل بشكل من الأشكال؛ إلا أن التقليل من أهميتها وتسطيحها وتسخفيها لا يعكس سوى صبيانيّة سياسيّة تعتبر أن السياسة ثابتة بين الدول والأطراف الفاعلة، بينما هي عكس ذلك تماماً.

 

بإنتظار تبلور الرؤية السياسيّة والخطوات المتتالية التي تشهدها المنطقة على أكثر من صعيد، يمكن تسجيل الآتي: التطبيع الأردني- السوري آخذ في التقدّم في خطى ثابتة وسريعة، المحادثات الإيرانيّة- السعوديّة متواصلة بدورها ومجرّد إستمرارها يعني أنّها تعكس، بطريقة أو بأخرى، رغبة متبادلة من الطرفين بتحقيق نتائج تدريجيّة في عددٍ من الملفات الساخنة التي ترهقهما، بدء إرتسام معالم حقبة ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان وإستمرار التركيز الأميركي على كيفيّة مواجهة الصعود الصيني الصاروخي على الصعيدين السياسي والإقتصادي الدولي، إستمرار خطوات التطبيع بين بعض الدول العربيّة وإسرائيل وسط حديث عن إنضمام دولة جديدة إلى هذا القطار قريباً، إلى ذلك من المؤشرات والتحولات الهامة.

 

لعل لحظات التغيّرات السياسيّة هي الأكثر خطورة ودقة، لأن معادلات جديدة تُولد من رحمها، وتعكس تلك المعادلات موازين القوى التي هي قيد التشكّل، وغالباً ما تتأثر بها الدول الأكثر ضعفاً، أي الدول المنقسمة على ذاتها والتي تتغلغل فيها مختلف أشكال التدخل الخارجي، سواءً أكان التدخل المباشر أم غير المباشر.

 

لبنان يحلّ في المراتب المتقدمة من حيث لعنة ضعف الدولة المركزيّة وسطوة قوى خارجيّة على مقدراتها وإخضاعها بعد إختطاف قرارها الوطني والسياسي، وجرّها إلى حيث لا يرغب كل مكونات مجتمعها نحو صراعات المحاور الكبرى، فتدفع الأثمان الباهظة تلو الأثمان، وتتحوّل إلى ساحة لتصفية الصراعات الخارجيّة والحروب بالوكالة.

 

في لحظات التحوّل الإقليمي، تُشكّل حالة الخواء السياسي وضراوة المأزق الإقتصادي الذي يستحوذ على كل الاهتمام، غطاء مناسباً لتمرير كل الصفقات السياسيّة المشبوهة التي يمكن من خلالها الانقضاض على التجربة التاريخيّة اللبنانيّة (على علاتها وعثراتها وسقطاتها) في التعدديّة والتنوّع واستبدالها بما يتلاءم مع مصالح الأطراف الفاعلة والقابضة على القرار السياسي في البلد.

 

ما لم يتم تدارك خطورة هذا الأمر من قبل الأطراف السياسيّة التي تقود عمليّة إعادة رسم المعادلات الإقليميّة، فثمة أخطار حقيقيّة داهمة ومحدقة أمام لبنان لا سيّما إذا ما صبّت تلك الجهود في خانة تكريس الاختلال الكبير في موازين القوى السياسيّة القائم راهناً وتثبيت مرتكزاته.

 

عندما تتصارع الدول، تسقط أنظمة، وتقوم أخرى. من يدفع الثمن دائماً هو الشعوب المقهورة والضعيفة التي صودر قرارها الوطني تحت مسميات مختلفة. المهم ألا يسقط لبنان!