IMLebanon

حرام، كلُّ هذا التلاعب بمصير الوطن

 

أإلى هذا الحدّ المفزع وصلت أحوال التدهور والإنحلال على صعيد لبنان بأسره، وطنا وكيانا ودولة ومؤسسات؟! وهذه الحرب الكلامية التي باتت تتوّج الحالة «الجنهمية» التي انحدر الوطن الجريح إليها وصولا في ذلك إلى انطلاقة من الوزير السابق جبران باسيل إلى توجيه الإتهام لرئيس الحكومة المكلّف، بذبح الوطن، وردّ تيار المستقبل على «صهر العهد» ذاكرا أن المسلخ الوطني مقره الرئيسي في بعبدا ومتسائلا: هل هناك أفضح من تهجير 320 ألف مسيحي من لبنان في أقل من سنتين!؟ ونتجاوز هذه الحرب الكلامية التي باشرها وافتعلها الوزير السابق باسيل، لنركز على هذا السبب الإنقلابي الفارض الذي يمارسه الرئيس عون منذ إمساكه بالسلطة من خلال حكومة إنتقالية جرّدها من دستوريتها ومن ميثاقيتها، وأطبق من خلالها على القصر الجمهوري، حيث مارس من خلاله جملة من الحروب التي مزقت الوحدة اللبنانية، وخصوصا بشقها المسيحيّ، ولم تنته إلاّ باضطراره آنذاك لمغادرة القصر الجمهوري على أزيز طائرات السوخوي التي أجبرته على مغادرة القصر الجمهوري إلى السفارة الفرنسية التي رتبت له آنذاك انتقالا عجولا إلى فرنسا، حيث طالت إقامته وقتا كافيا لترتيب علاقته التحالفية مع «أعداء الأمس» النظام السوري وحزب الله، وكانت الحصيلة المعروفة، إتفاق كنيسة مار مخايل وجملة من السنوات الإرتطامية والضاغطة والفارضة، تمكن الرئيس عون من خلالها بعد ما يزيد على عامين من التعطيل الفارض، من الوصول إلى السدة الرئاسية، ومتبعا الأسلوب نفسه لاحقا، في تشكيل الحكومات وفقا لأسلوبه ومفاهيمه، وهل هناك أدهى وأدعى إلى ذلك التراجع الهائل في مجمل الأوضاع اللبنانية التي ظلّت طيلة سنوات العهد التي مرّت حتى الآن دون أية ملامح ووقائع ونتائج إيجابية، اللهم إلاّ ذلك المجهود المميز الذي بذل لتركيز وتثبيت وضعية الوزير باسيل الساعية إلى الموقع الرئاسي، وهو الوضع الذي أسهم في غرق سنوات العهد التي أكلها الزمن وهول الأوضاع وسوء التعامل والتصرف الذي فرضته أساليب وطموحات «الوزير باسيل» الرئاسية، الأمر الذي جمّد وضع التأليف الحكومي وأوقعه في بؤرة الخصومة الحادة والرفض الصارم الذي فرضه العهد طيلة هذه الأشهر التي تكاد أن تناهز عاما بأيامه وساعاته ودقائقه الثّمينة التي كان يُنتظر أن تكون منطلقا إصلاحيا وإنقاذيا تواكبه جهود وإجراءات دولية وإقليمية وفي طليعتها، تطلّعات وطاقات الرئيس الفرنسي الذي قاد «المهمة» الإنقاذية وسط تأييد شعبي لبناني كاسح وتوافقات سياسية محليّة، سريعا ما تبين للرئيس الفرنسي مدى تلاعبيتها وبهلوانيتها إلى تلك الدرجة التي دفعته كما دفعت لاحقا، عددا من المسؤولين الفرنسيين إلى توجيه الإنتقادات اللاذعة التي تقارب الشتائم الفاضحة، لكل أولئك الذين مثلوا أدواراً غاية في الأُلعبانية، وكانت مواقفهم ومواقعهم بالنتيجة، تصبّ في غالبيتها في مواقع الدفاع عن ممارساتهم الشاذة وفسادهم وإصرارهم على متابعة عمليات النهب والتخريب والإيقاع بلبنان وأهله في مهاوي التدهور والإرتطام الجهنمي والإنحلال الكامل.

 

وبصرف النظر عن جملة متواضعة من الظواهر التحوّلية التي تحمل في طياتها بعضا من بريق الأمل، ولنا في انتخابات نقابة المهندسين ومواقف نقابتي المحامين، والإتحادات الطلابية في كبريات الجامعات، وتحولات ملموسة في كثير من القطاعات المثقفة والشعبية المتحسّسة والمتلمّسة لكارثية الأوضاع، خصوصا منها ما تعلق بانفجار بيروت، خير دليل واعد بإمكانية ما للنهوض من كبوات تتحكّم بها سلطات إقليمية البعد والقيادة والتوجيه، ومحلية الإمساك المتدرج والمتدحرج بمواقع السلطة والتّسلّط، حتى لبتنا في هذه الحال البائسة واليائسة التي بات اللبناني شديد التمسك بكرامته وبتميزه الإنساني والإجتماعي والحضاري، يعمد إلى استدراج الدول على اختلاف درجات علاقتها بلبنان، إلى ما يشبه وضعية التسول لاحتياجاته الإنسانية والغذائية وصولا في ذلك إلى طلب النحدة لأوضاع قوانا المسلحة على اختلاف أنواعها ودرجاتها التي دفعت بقائد الجيش إلى إطلاق التحذيرات والصيحات بل والإستغاثات، حيث تجاوزت المعونات المطلوبة لها، أوضاع التسلح على اختلاف درجاتها، لتقتصر تقريبا على معونات إنسانية تقي مؤسساتنا المسلحة من شرور المعاناة التي لئن كانت مفهومة لأسباب قاهرة طاولت جوع الناس العاديين، فهي غير جائزة إطلاقا في قطاعات أهل السلطة المسلحة التي يركز اللبنانيون آمالهم عليها لتقيهم من شرور تفلّت الأوضاع الأمنية والإجتماعية والإقتصادية والإنسانية، إلى كل هذه الحدود المذهلة التي بات اللبنانيون يعانون من آفاتها الجهنمية.

 

وبعد: هل من وضعية أقسى وأذل أن نستمع إلى مسؤولين إسرائيليين وهم يحذرون من تدهور الأوضاع اللبنانية إلى هذه الحدود الرهيبة، عدونا «يحمل همومنا» لدوافع وأسباب لها علاقة بالتطلعات والطموحات الإسرائيلية العدائية تجاه لبنان بفضل كل أولئك الذين أسهموا في تحطيم مفاصل الوجود اللبناني ومقوماته الإجتماعية والثقافية والإنسانية التي سبق أن جعلت منه طليعة من طلائع هذه المنطقة شرط الأوسطية، بل صورة مثيرة من صور التفوّق الحضاري في العالم حمل من خلاله لقب سويسرا الشرق!.

 

يا من أوصلتمونا إلى هذه المهاوي الجهنمية حرام عليكم ما فعلتموه، وحرام عليكم ما تداومون وتصرّون على افتعاله. إن لم تتّقوا الله في بلدكم وأهلكم، سيأتي اليوم الذي يلقى فيه كلُّ معتدٍ أثيم، جزاءه المستحق، ولنا في الغليان الداخلي والإقليمي والدولي المستجد والآيل إلى نسف ركائز الوجود اللبناني، أسوأ دليل ومؤشر.