IMLebanon

ربط بنهاية حرب يتحكم بها العدو

 

 

حرب غزة ومضاعفاتها أكدت ان الحرب ليست مجرد «إستمرار للسياسة بوسائل اخرى» حسب توصيف كلاوزفيتز الشهير والمعبّر. هي أكثر من ذلك وأخطر. ومن يتخذ قرار الحرب ليس خارج المساءلة، مهما تكن الأسباب والمبررات والدوافع وراء القرار. لا في إسرائيل، ولا في غزة، ولا في حروب «المساندة» في لبنان والعراق وصنعاء، ولا بالطبع في واشنطن وطهران. والمسؤولية اكبر على صاحب القرار من خارج المسار الرسمي في المؤسسات، ولو ارتدى ثوب «الشرعية الشعبية» او كان «التكليف الشرعي» في اعتقاده يتقدم على اي قرار رسمي. لكن المساءلة، حتى حيث هي ممكنة ومن طبائع الأمور، يجب ألا تقتصر على ممارسة حرية الرأي. اما، حيث هي باب مغلق، فإنها تصبح مجرد همس تحت الأرض بين خائفين يدفعون ثمن ما يقوم به مخيفون.

 

ذلك ان النقاش عاصف في إسرائيل داخل الحكومة والكنيست وفي الشارع وعبر وسائل الإعلام. نقاش في اداء الجيش. نقاش في أهداف نتنياهو من إطالة الحرب. دعوات الى استقالة نتنياهو ومحاسبة وزرائه. إنتقادات لخسارة إسرائيل الرأي العام في أوروبا وحتى في أميركا. وتحذير من الاستمرار في تجاهل «حل الدولتين». وتظاهرات في الشارع لأهالي الرهائن في غزة للمطالبة بأن تكون الأولوية في الحرب هي للتفاوض على استعادة الرهائن. وكل ذلك بين المتفقين على دعم الحرب.

 

والنقاش في لبنان قائم، لكن أي رأي مخالف لموقف «حزب الله» من فتح الجبهة الجنوبية يأتي الرد عليه إتهامات بالعمالة والخيانة. وأي نقاش يتحول الى سجال بلا طائل. حتى الإشارة الى الخسائر البشرية والمادية في بلد مفلس لن يساعده أحد في إعادة الإعمار توضع في خانة التحريض على «المقاومة الإسلامية». وبقايا السلطة تكرر كالببغاء موقف «حزب الله». لا أسئلة في مجلس وزراء معطوب، ولا مساءلة في برلمان محجوب يدار كملكية خاصة. ولا احد يتوقع نقاشاً او مساءلة للفصائل العراقية المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري وللحوثيين الذين يواجهون العالم كله في البحر الأحمر، ولو جرى تدمير اليمن. اما طهران التي تدير اللعبة بالوكالة، فإن النقاش فيها مفتوح تحت سقف الموقف الرسمي، لكن المساءلة تؤدي بصاحبها الى السجن او الإقامة الجبرية او المنفى.

 

واما اميركا، فإن النقاش فيها ناشط. لا فقط بين الجمهوريين والديمقراطيين بل ايضا بين الديمقراطيين، وداخل وزارة الخارجية، كما في وسائل الإعلام ومراكز الدراسات. أقل الإنتقادات لدعم بايدن الأعمى لإسرائيل هو: لماذا خسرت واشنطن من سماهم الكاتب التركي طه أكيول «المسلمين الليبراليين»؟ ولماذا صارت أميركا بعد حرب غزة «خط الدفاع الأول» عن اسرائيل بعدما كانت دائماً «خط الدفاع الثاني» كما كتب مارتن إنديك؟

 

والوقت حان في لبنان لوقفة مع الذات ومع الشريك وللمساءلة، بعدما قيل للجميع: الكلمة للميدان، ولا بحث في اي موضوع قبل ان تنتهي حرب غزة. ماذا قدّمه الميدان للبنان وغزة؟ ما العمل، بعد ربط الجبهة وحربها وكل شيء بحرب غزة، اذا استمرت تلك الحرب شهوراً اخرى او حتى سنوات؟ كيف يصح بأية حسابات إستراتيجية وجيوسياسية ربط مصير بلد وحرب بأمر يتوقف على ما يقرره العدو الصهيوني؟ وهل تكون المقاومة قوية فقط بسلاحها ودعم «شعب المقاومة» ام ايضاً وقبل ذلك بدعم اكثرية اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق والتيارات؟

 

لعلنا في حاجة الى درس نيتشه القائل:»ما يقتل ليس الشك بل اليقين».