Site icon IMLebanon

ملف لبنان على الطاولة بعد تفعيل الدور الأميركي في المنطقة

  

 

لم تخرج الولايات المتحدة الأميركية من المنطقة لتعود إليها. لكنّ حرب غزة رفعت من مستوى الحضور الأميركي سياسياً وعسكرياً. وما يعني لبنان أن واشنطن أعادت تنشيط ملفه على طاولة التفاهمات الأميركية في المنطقة

 

لم تنته مفاعيل الزيارة الأخيرة للموفد الأميركي آموس هوكشتين الى بيروت. وهي لم تكن روتينية في زمن الحرب لإبعاد لبنان عما يجري في غزة فحسب، بل عكست، بحسب المعطيات، جانباً أساسياً في تعاطي الإدارة الأميركية لجهة وضع ملف لبنان على النار. هذا الجانب بدأ يأخذ صدى واسعاً لتزامنه مع بضعة مؤشرات.

 

من المرات النادرة، منذ سنوات، أن يصبح لبنان مجدداً في دائرة الاهتمام الأميركي الرسمي على حدّ ما يتردد في أوساط فاتيكانية، وفي اللوبي اللبناني في واشنطن، ودوائر كاثوليكية قريبة من الرئيس الأميركي جو بايدن. وهذا الاهتمام لا يزال في خطواته الأولى، بعدما سرّعت حرب غزة الاهتمام به، بتحييده عن الحرب حتى الآن، قبل الدخول في تفاهمات حول أزمته السياسية.

 

تزامن ذلك، مع لقاء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي لم تصل بعد تفاصيله الى بيروت. لكن وجود لبنان في صلب اللقاء هو في حدّ ذاته أمر يجدر التوقف عنده، وقت كانت القمة توجّه الأنظار نحو غزة، وسيكون محل مواكبة في الأسابيع المقبلة لمعرفة آفاقه. فمنذ التفاهم السعودي – الإيراني، ولبنان غائب عن مفكرة الطرفين في تسهيل أوضاعه، وإخراجه من مأزق سياسي واقتصادي متواصل. لكن ما بعد غزة، تغيّرت مقاربة الرياض وطهران لما يجري في المنطقة. ولأن لبنان جزء أساسي من مندرجات غزة، يصبح التفاهم على ترتيب فيه أقرب الى الواقع، ولا سيما أن ما يجري في عُمان فتح باب تسهيل معالجات ملفات عالقة، منذ ما قبل غزة وما بعدها. ووجود لبنان في اللقاء يعني حكماً معالجة ملف الرئاسة، عدا عن تقاطعه مع حرب غزة. لكن الكلام الرئاسي لا يزال في بداياته، من دون استعجال أيٍّ من الأطراف المعنيين استثماره مبكراً. فالسعودية لا يمكن أن تنظر إليه مع إيران، منفردة، من دون العودة الى واشنطن. وهذا تماماً ما يعيد الى النقطة الأولى المتعلقة بمقاربة واشنطن للبنان.

 

فاللقاء السعودي – الإيراني لا يبتعد عن مشهد إقليمي تنعكس تبعاته على لبنان في صورة متدرجة، علماً أن أول انعكاسات حرب غزة أنها أعادت تفعيل الحضور الأميركي في المنطقة بعد مرحلة انكفاء. فمنذ أشهر طويلة والوجود الأميركي في المنطقة معلّق على تقاطعات إقليمية، قد يكون أبرزها خطوات التطبيع التي انطلقت واثقة بين دول عربية وإسرائيل. كانت واشنطن منشغلة بساحات أخرى، وليس أوكرانيا وحدها التي كانت تستحوذ على اهتمامها، ما أدّى إلى تراجع تورطها في المنطقة ولبنان. وعلى أبواب انتخابات رئاسية، كان الانطباع هو انشغال إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عنها وإعطاء الأولوية لملفات غير إقليمية.

 

ما بعد 7 تشرين الأول أحيا دور واشنطن لاعباً وحيداً في المنطقة

 

7 تشرين الأول، بغضّ النظر عن تعامل حماس وحزب الله وإيران مع واشنطن وتحميلها مسؤولية زيادة منسوب الاعتداءات الإسرائيلية، أحيا دور الولايات المتحدة في المنطقة، فارتفع مستوى الحضور الأميركي بزيارة بايدن لإسرائيل، ومن ثم توافد مندوبيه الكبار، عدا عن الحضور العسكري الميداني والمساعدات الأميركية المباشرة لإسرائيل، لتفرض واشنطن إيقاعاً متعلقاً بدورها لاعباً وحيداً في المنطقة، يتدخل في كل تفاصيل المفاوضات والحوارات الجارية على كل المستويات. يضاف الى ذلك تسليط الضوء على القواعد الأميركية في المنطقة وسوريا والعراق. أما لبنانياً، ومع زيارة هوكشتين، فقد زاد الاهتمام من مجرد تنبيه ديبلوماسي الى مستوى أرفع من المعاينة الأميركية برسالة واضحة في الشكل والمضمون. وتأتي أهمية ما ينقل عن تفعيل ملف لبنان أنه في وقت لا يترك فيه الدور الفرنسي أي تأثير، ولو غاب لبنان عن مؤتمر باريس، كما لم يدعَ لبنان الى قمة القاهرة، فإن الرسائل الأميركية تصل عبر مصر والأردن تحديداً، وخصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن للمنطقة، معززة بتواصل صار واضحاً لوضع لبنان على سكة التهدئة.

 

لكن، بقدر ما قد يستفيد لبنان من عودة ملفه الى طاولة إقليمية ودولية، فإن التسرع في استخلاص حلول نهائية لا يعكس حقيقة الواقع. فالمنطقة لا تزال في قلب الحرب، ولا يمكن بعد الكلام عن مرحلة مختلفة للبناء عليها، لأن المعالادت الميدانية قابلة للتبدّل بين يوم وآخر، وعلى مصيرها يمكن الرهان على تحوّل سياسي قابل للاستثمار. وواشنطن مستمرة في الوقت نفسه في الدفع نحو تثبيت الوقائع السياسية التي سبقت الحرب، لجهة علاقات الدول العربية بإسرائيل، مهما كانت اتجاهات الحرب الحالية قاسية. لكن يمكن للبنان الإفادة من فترة السماح التي أعطيت له، لأن معطيات المتصلين بالإدارة الأميركية تتحدث عن أهمية دخول هذه الإدارة، من رأس الهرم، في ضبط الوضع اللبناني فلا يتدحرج بصورة دراماتيكية نحو الحرب. وقد تكون الفرصة سانحة إقليمياً ودولياً للانتقال من وضعه غير المستتبّ الى حالة أكثر استقراراً تنفي انتظار أن ينكشف المشهد عن تفاهمات تتعلق بأصل الأزمة اللبنانية، والرئاسة في مقدّمها.