كانت لـ«الحلف الثلاثي» الذي تكوّن، في العام 1967، من أحزاب الكتائب و»الكتلة الوطنية» و»الوطنيين الأحرار»، أهداف عدة منها مناهضة الشهابية، والانتخابات النيابية في العام التالي، ومواجهة الخطر من التمدد الفلسطيني المدعوم آنذاك من القيادات والحركات الاسلامية واليسارية، ثم انتخابات الرئاسة التي كانت ستجري في العام 1970.
تكونت «الجبهة اللبنانية» مع بدء الحرب العام 1975 وكانت امتدادا طبيعيا لـ«الحلف» الذي خرجت منه الكتلة الوطنية، بينما دخل الى «الجبهة» مفكرون وشخصيات واكليروس مسيحي.
كان «الحلف» الى حد بعيد سياسي المنحى، ترك لكل من الأحزاب الثلاثة حرية الموقف والاتجاه، وغلبت على مواقفهم محاربة الشهابية. «الجبهة» وحدت مواقف القوى المسيحية في السياسة والأمن، حين شعر المسيحيون مع بداية الحرب بالتهديد الوجودي إذ اعتقدوا ان العرب والغرب يريدون توطين الفلسطينيين في لبنان، ومن ثم تهميشهم وتهجيرهم.
من «الحلف» الى «الجبهة»، انتقل هدف الأحزاب المسيحية الرئيسية من الخوف على الدور والمكانة الى الخوف على الوجود.
ما هو إذن الهدف من التحالف الجديد بين التيار الوطني الحر و»القوات اللبنانية»؟ هل هو «حلف» جديد او «جبهة» جديدة؟ هل يتوسع ليضم الأحزاب المسيحية الاخرى وعلى رأسها الكتائب والطاشناق والمردة وشخصيات وهيئات مسيحية اخرى؟
من دون شك، بعد الذي حصل للمسيحيين في العراق وسوريا وحتى مصر سابقاً، ثمة خوف مسيحي في لبنان على الوجود. المسيحيون المهجرون من العراق وسوريا لا يريدون البقاء في لبنان، بل يبغون المرور منه الى أوروبا واميركا وأي بلد آخر. أي يريدون لبنان محطة ترانزيت تساعدهم على الانتقال من هذا العالم العربي الى عالم آخر. هذا الشعور المسيحي المشرقي يخيف مسيحيي لبنان، خاصة وان مسيحيي المشرق اعتنقوا «الوطنية واليسار» وواكبوا المسارات والقضايا العربية، لا بل ان منهم من أسس هذه الحركات وقادها ومات من أجلها.
كذلك يعتبر المسيحيون ان اتفاق الطائف، الذي قيل انه صيغ على أساس المساواة والعدالة والمناصفة، غيّب دورهم في القرارات الوطنية والسياسية والاقتصادية بعد مقاطعتهم قانون انتخابات 1992 الذي وضعته «الوصاية السورية» يومذاك، والذي في اعتقادهم لم يراع الأهداف الاساسية لاتفاق الطائف. ولان السلطة والقرار أصبحا في مجلس الوزراء مجتمعا، ولأن تكوين الحكومة انعكاس للقوى السياسية والحزبية في مجلس الوزراء، فإن قانون الانتخاب يصبح الآلية الاساسية لتكوين السلطة، وان قوانين الانتخاب ـ السابقة كما الحالي ـ مجحفة جدا في حق المسيحيين، حيث لا يسمح لهم قانون 2008 بانتخاب اكثر من نصف ما خصص لهم اتفاق الطائف.
أعتقد ان التحالف الجديد يفتش عن الدور ليخفف من الخوف على الوجود. ان الجنرال ميشال عون والدكتور سمير جعجع يعتقدان حتما ان غياب الدور المسيحي في لبنان لم يساهم في زيادة الخوف على الوجود عند مسيحيي لبنان فقط، إنما ساهم ايضا في السعي القوي لمسيحيي المشرق الى الهجرة الدائمة من المنطقة العربية. ورغم أهمية الرئاسة الاولى في اعادة الدور حسب نصوص اتفاق الطائف، فإن الاتفاق على قانون انتخاب ميثاقي يعيد الدور ويزيل الخوف، يساهم في بقاء هذا الشرق متنوعا يتحدى حركات كـ «القاعدة» و «داعش» وأخواتهما، ولا يحمي الوجود المسيحي فحسب، بل كذلك المسلمين المتعطشين الى التقدم والحداثة والتعايش والقبول بالآخر المختلف.
لن يكتمل التحالف الجديد من دون توسيعه ليضم كل الأحزاب والحركات التي تؤمن بالاهداف التي اتفق عليها «التيار» و»القوات». كذلك، فان من نادى بلبنان اولاً وأصر يوما على ان الكرة الرئاسية هي عند القيادات المسيحية، عليه ان يرحب بالتحالف الجديد الذي لا ولن يهدف الى تقزيم اي من المكونات اللبنانية، إنما استعادة الدور والتخفيف من الخوف وتقوية إرادة العيش معا، والشعار دائماً «لبنان اولاً وآخراً».