ثمة انتظار ثقيل وترقب لما ستؤول اليه التطورات على جبهة اللبنانية المفتوحة على احتمالات التصعيد العسكري، الذي لم يبلغ ذروته بعد، في ضوء فشل خطة الصدمة والترويع «الاسرائيلية»، التي كانت تفترض انهيار حزب الله على نحو كامل، واعلان الاستسلام في الايام الاولى للعدوان بعد مجزرة «البايجرز» واجهزة الاتصال وقتل قيادة «الرضوان»، وبعدها اغتيال الامين العام السيد الشهيد حسن نصرالله.
لكن التقديرات السياسية والامنية «الاسرائيلية» لم تكن على قدر واهمية الاختراق الاستخباراتي النوعي، والجرأة في اتخاذ القرار بتوجيه تلك الضربات، ولهذا تجد قيادة الاحتلال نفسها امام حتمية الرهان على الغزو البري المكلف وغير المضمون النتائج، لحل معضلة اطلاق الصواريخ على المستوطنات «الاسرائيلية»، وسط مؤشرات مقلقة بدأت تنعكس في الاعلام «الاسرائيلي»، حول نجاح حزب الله في استعادة توازنه سريعا، وهو امر بدأ يدخل الشك في امكان تحقيق الاهداف ومنها سحق الحزب، بعد ان وصل التفاؤل الى ذروته قبل ايام قليلة.
وفي هذا السياق، ثمة مؤشران اساسيان يشيران بوضوح الى ان المقاومة استعادت توازنها، ورممت غرفة عمليات القيادة والسيطرة اثر الضربات القاسية التي تعرضت لها مع بداية العدوان:
– المؤشر الاول بحسب مصادر مقربة من حزب الله، دخول الاحياء السكنية في حيفا ومحيطها في الـ72 الساعة الماضية دائرة الاستهداف المكثف بالصواريخ الثقيلة، حيث بدأ المستوطنون يطرحون الاسئلة الصعبة على القيادتين السياسية والعسكرية في كيان الاحتلال، وصلت الى حد الطلب بعدم تفعيل صفارات الانذار التي تثير الذعر الجماعي، اذا كانت الصواريخ الاعتراضية غير قادرة على حماية المدن! وكذلك بدأت التساؤلات حيال فعالية آلاف الغارات الجوية على مستودعات الاسلحة التابعة لحزب الله على امتداد الجغرافية اللبنانية.
– المؤشر الثاني يرتبط بتماسك الخط الدفاعي الاول على الحدود، حيث فوجئت قوات نخبة الاحتلال بقدرة مقاتلي حزب الله على المناورة في منطقة جغرافية ضيقة، تعرضت لمئات الغارات الجوية والقذائف المدفعية، حيث تتعرض القوات «الاسرائيلية» المتقدمة لعملية استنزاف يومي بسبب الكمائن وصليات الصواريخ الموجهة، والالغام التي تزرع في طريقها.
وفي هذا السياق، اشارت صحيفة «معاريف الاسرائيلية» الى ان الاسئلة الأكثر شيوعاً اليوم في «اسرائيل»: هل توجد للجيش «الإسرائيلي» صورة استخبارية كافية عن قدرة حزب الله في حرب العصابات، في وجه خطوات تطهير المنطقة من الأنفاق، ومن الحشود الموجودة تحت الارض؟ هل مخزون الصواريخ والمقذوفات الصاروخية وباقي الأسلحة، سيشكل مشكلة في سياق القتال؟ وهل يمكن الاحتفاظ بخط التلال الذي يفترض أن يكون فاصلاً أمنياً في صالح عودة سكان الشمال إلى بيوتهم؟ وهل يوجد ايضا تقدير في موضوع الثمن الذي ستجبيه الحملة من عناصر الجيش وضباطه، بخاصة حين تكون التوقعات بان يتجاوز عدد القتلى ألف جندي؟ وعبّرت الصحيفة ايضا عن مخاوفها ان يواصل الجيش «الإسرائيلي» المراوحة في الوحل اللبناني دون تقدم في الاتصالات لوقف النار؟
وعلى الرغم من هذه المعضلة، لا تبدو واشنطن مستعجلة لتفعيل الخط الديبلوماسي، لانها بحسب مصادر سياسية بارزة، لا تزال تعول كثيرا على فعالية العملية العسكرية «الاسرائيلية»، وتراهن على قطف نتائج «مبهرة» ليس اقلها تجريد حزب الله من سلاحه، واخراجه من المعادلة الاقليمية، فضلا عن اضعاف دور الطائفة الشيعية سياسيا في الداخل. ولهذا فان التسوية التي طرحها المبعوث الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين قبل مدة لم تعد مطروحة على «الطاولة»، والدول المعنية بالاعلان الاخير الذي يتحدث عن هدنة لمدة 21 يوما، تحاول دون جدوى تفعيل حراكها، لكنها تصطدم بجدار الممانعة الاميركية. ولهذا فان كلام رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بالامس على استمرار المساعي السياسي، مجرد «ابرة مورفين»، لا تتسق مع الواقع حيث لا يجيب ان مسؤول اميركي على اتصالات المسؤولين اللبنانيين. وفي ضوء النشوة التي تلت حملة التصفيات لا يبحث «الاسرائيليون» والاميركيون عن «صفقة» راهنا.
وامام حالة الاستعصاء الحالية، ستكون الجبهة اللبنانية امام محطة اختبار ميداني جديد، والرهان على نجاح خطة حزب الله التصاعدية، والارتقاء في ايلام العدو عبر خاصرتيه الرخوتين، استهداف المستوطنات والمستوطنين، وتوجيه ضربات موجعة لقواته البرية. وهنا قد يرتقي جيش العدو بتوحشه واستهداف للمدنيين. لكن الحدث الاهم الذي قد يقلب الموازين في المنطقة ولبنان، يبقى شدة وحجم الرد «الإسرائيلي» على الرد الإيراني، والرد الإيراني المفترض، فاذا احتوى الإيرانيون الضربة «الإسرائيلية» شيء، وإذا ما ذهبوا الى ضربة اكبر واوسع شيء آخر، فتدحرج التصعيد الى حرب اقليمية حتى لو كانت محدودة، سيجبر العالم على استجداء وقف النار.
وفي هذا السياق، سبق لرئيس مجلس النواب نبيه بري ان روى امام زواره، كيف جاءت اليه وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كوندوليزا رايس في الايام الاولى لحرب تموز 2006 وطرحت عليه وثيقة استسلام، عنوانها الرئيسي تسليم سلاح حزب الله، وعندما حاول مناقشة الطرح انهت اللقاء دون ان تكلف نفسها عناء الاستماع اليه، وخاطبته بالقول «الاجتماع انتهى» وغادرت عين التينة.
وبعد عدة ايام وعندما هزم الجيش «الاسرائيلي»، واخفق في تحقيق اهداف الحرب اثر مفاجآت المقاومة، عادت رايس لزيارة بري، وما ان جلست امامه، حتى وضع «رجل على رجل» وعاجلها بتقديم طرح الجانب اللبناني وشروطه لوقف الحرب، وبعد صمت عميق حاولت تقديم ملاحظاتها، الا ان رئيس مجلس النواب انهى اللقاء وغادر الغرفة.
واليوم التاريخ يعيد نفسه، وواشنطن التي تراهن على الوقت تغامر باخفاق جديد، ووفق صحيفة “معاريف» فان «مصلحة الولايات المتحدة الاستراتيجية والغريزية، مثلما هي للجيش «الإسرائيلي» ولحكومة «إسرائيل» وقسم كبير من «الاسرائيليي»، تقول: اقتلهم كلهم. أما التفكير البارد فيقول إنها مهمة متعذرة. مثلما يعرف كل مواطن عاقل، والبنتاغون أيضاً يعرف بأن الشيعة هم الطائفة الكبرى في لبنان، والبيت الأبيض يعرف بأن حرباً متعددة الساحات تضم إيران، وتقع في زمن انتخابات ربما تكون كارثة انتخابية».
في الخلاصة، وعلى الرغم من قتامة الوضع الداخلي انسانيا، الا ان الرهان على الميدان يبدو في مكانه، وما اسماه الاعلام العبري بالامس «جنون» حزب الله، اثر الصليات الصاروخية المكثفة على المستوطنات، ما هو الا عينة صغيرة عما ينتظر «الاسرائيليين» في الايام المقبلة، بعد ان منحت القيادة السياسية في حزب الله «الضوء الاخضر» للعسكر ببدء تنفيذ الخطط الهجومية والدفاعية.