Site icon IMLebanon

تهويل ضدّ لبنان: «تكبير الحجر» لا يقنع الهاربين

 

 

انتقل القادة الإسرائيليون الى درجة أعلى من التصعيد الكلامي على جبهة لبنان، في محاولة لتعزيز صورة الردع وتقديم جيش العدوّ في حال جهوزية. فبعد تهديدات متكررة لوزير الأمن يوآف غالانت، أتى العرض الذي قدّمه الناطق باسم جيش العدوّ العميد دانيال هغاري، للخطة العملياتية التي ينفذها الجيش ضد حزب الله على مستوى الدفاع والهجوم والاستعداد للحرب، ليؤشر إلى حجم الضغوط التي تشكلها هذه الجبهة على مؤسسة القرار في تل أبيب.بعد نحو 120 يوماً على بدء الحرب، أوضح هغاري خلاصة نظرة جيش العدوّ الى العمليات التي ينفذها حزب الله بأن الحزب «وقف منذ بداية الحرب في صف واحد مع حركة حماس، وفتح النيران باتجاه إسرائيل». وأجمل بذلك نظرة جيش العدوّ إلى تموضع حزب الله العملياتي في جبهة مفصولة جغرافياً عن قطاع غزة، لكنها متّصلة بها استراتيجياً لجهة مفاعيلها التي تتكامل مع النشاط العملياتي لحركة حماس وفصائل المقاومة في غزة. وتتقاطع هذه النظرة مع الوصف الذي يورده حزب الله في بياناته للعمليات التي ينفذها على أنها إسناد للمقاومة في غزة ودعم لأهلها.

وتمهيداً لعرض الخطة المضادة التي اعتمدها جيش العدوّ، لفت هغاري الى جانب من استراتيجية حزب الله الذي «حاول حرف انتباهنا عن الحرب في غزة»، وتجلّى ذلك في ما كشفه عن «نشر ثلاث فرق على الحدود (مع لبنان) تضم عشرات آلاف الجنود النظاميين والاحتياط، في البر والجو والبحر».

حشد الفرق الثلاث على الحدود اللبنانية، رغم الحاجة المُلحّة إليها على جبهة غزة، يشير إلى أن حزب الله نجح إلى حدّ كبير في رفع منسوب المخاوف العملياتية والأمنية في وعي صنّاع القرار الأمني والسياسي، وتعزّز ذلك بالمسار التصاعدي لعملياته، ما دفع العدوّ الى الاستعداد لأكثر السيناريوات خطورة، بما فيها الاستعداد للحرب.

تقاطعت الرؤية الإسرائيلية مع أهداف الغموض العملياتي الذي اعتمده الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله عندما أشار إلى أن السيناريوات مفتوحة على كل الاحتمالات، ما عكس رفض حزب الله تقديم أيّ مؤشر حول السقف الذي يمكن أن تصل إليه عملياته، رغم معرفته بأن ذلك سيدفع جيش العدوّ الى زيادة ضغوطه الميدانية على حزب الله والمناطق اللبنانية، وهو ما حصل. وقد ردّت عليه المقاومة بفرض قواعد اشتباك منعته من ترجمة التهديدات التي وجّهها كبار مسؤوليه السياسيين والأمنيين. والأهم في هذا السياق، ما أورده هغاري عن تحقّق الهدف الذي حدّده نصر الله، في الثالث من تشرين الثاني الماضي، بإيجاد «حالة من القلق والترقب والخوف لدى قيادة العدوّ وحتى لدى واشنطن… أجبرت العدوّ على أن يُبقي قواته عند الحدود وحشد المزيد منها، ما يخفّف الضغط عن غزة».

على هذه الخلفيّة، خاض جيش العدوّ ضدّ حزب الله ما سمّاه هغاري «قتالاً شديد القوة على الجبهة الشمالية». ومع أنه توجّه الى مستوطني الشمال بالتأكيد أن هذه الحرب تهدف الى «إعادة بلورة الواقع الأمني الذي يسمح لسكان الشمال بالعودة الى منازلهم بأمن»، متعهّداً بضمان عودتهم الآمنة، إلا أن هذه المواقف لقيت تشكيكاً لدى قادة المستوطنين في الشمال. فقد علّق بعضهم على مواقف هغاري بأنه «لم يأتِ بجديد»، وأنهم كانوا يتوقّعون كلاماً عن «1701 وشمالي الليطاني»، وأن هذا الكلام موجّه إلى «المبعوث الأميركي» آموس هوكشتين، معربين عن الخشية من أن الجيش الذي «فشل في الجنوب قد يفشل مرة أخرى في الشمال».

تلخّص هذه الصورة الوضع الإشكالي الذي وجد الجيش نفسه فيه بين مطرقة حزب الله وسندان المستوطنين. فلا التهديدات تغريهم، ولا هو قادر على الذهاب بعيداً في تنفيذها بفعل إدراكه للأثمان والتداعيات التي ستترتّب عليها. وفيما يواصل الحزب ضغوطه الميدانية، رافضاً أيّ محاولة لفكّ جبهة لبنان عن جبهة غزة، يحرص قادة الجيش على العموميات في تعهداتهم ويتفادون «تكبير الحجر»، إدراكاً منهم أن السقوف العالية لا يمكن أن تتحقّق، ما يعكس فشلاً جديداً للجيش، وهو ما أدركه المستوطنون وتلمّسوا مخاطره.