IMLebanon

ضربات حزب الله غير عشوائية: «يراقبنا على مدار الساعة»

    

 

شهدت جبهة لبنان في الأيام الأخيرة ارتقاء كمياً ونوعياً في العمليات ضد جيش العدو، تحوّلت فيه المُسيّرات الانقضاضية إلى أسوأ كوابيس قيادة المنطقة الشمالية، بحسب قنوات التلفزة الإسرائيلية، بعدما نجحت في تجاوز سلاح الجو ومنظومات الاعتراض واستهدافها، وأصابت تجمّعات للجنود استُحدثت خلال المعارك بطريقة مموّهة. كما نجح حزب الله في اكتشاف العديد من الأهداف المتنقلة والنوعية واستهدافها عبر مبدأ «القتال المشترك» بين الأسلحة، المُسيّرات والتنصت والرادارات والصواريخ المضادة للدروع، إضافة إلى الدفاع الجوي والقيادة والسيطرة.

وأدّت الاستهدافات المتكررة إلى تبلور انطباع لدى الجنود المنتشرين على طول الحدود، بحسب موقع «واللا»، بأن «حزب الله يراقبهم على مدار الساعة، طوال أيام الأسبوع» وأن نشاطاتهم في المنطقة «تعرّضهم للخطر». وأكّد الجنود للموقع أن الحزب «لا يهاجم بشكل عشوائي، فكل هجماته تعتمد على بنية تحتية ومعلوماتية. يعرفون أنه توجد قوات للجيش فيهاجمون».

ينطوي هذا التطور الميداني على أكثر من بعد ورسالة تتصل بالجانب العسكري والاستخباري، وتتزامن مع استحقاقات وتطورات على جبهتي غزة ولبنان.

ومن الضروري لدى قراءة واقع العمليات على جبهة لبنان، استحضار حقيقة أن النمط العملياتي الذي تشهده غير مسبوق في تاريخ الصراع، ولا يشبه في تكتيكاته أي مواجهة سابقة، عندما كانت المقاومة تواجه احتلالاً مكشوفاً أو متحرّكاً، وتنفذ عملياتها بشكل خاطف مستفيدة من البيئة الجغرافية والمدنية للاختفاء والتضليل. ولا هو أيضاً هجوم يتضمن التحاماً من على مسافة صفر أو ما يقرب، بل يتميز باستخدام النيران عن بعد ضد أهداف محصّنة وجيش مختبئ في كثير من الأحيان. وفي نطاق جغرافي مُحدَّد ألزم الحزب نفسه به حمايةً للعمق اللبناني والمدني.

ومع أن هذه المزايا منحت العدو قدراً من التفوق كونها تُمكِّنه من المسح المعلوماتي والسيطرة العملياتية، لما يتمتع به من تفوق جوي وتكنولوجي وأسلحة دقيقة، إلا أن حزب الله أثبت عبر استمرار عملياته وتطوّرها ومسارها التصاعدي، قدرته على التكيّف العملياتي، وهي ميزة يعترف بها العدو للحزب، وشرط لازم لملاءمة التكتيكات مع المتغيرات التي يُحدثها العدو وصولاً إلى تطوير الأداء العملياتي في مواجهته.

في بعد آخر، يقترن تصاعد العمليات على جبهة لبنان، وكذلك المرحلة الرابعة من العمليات اليمنية، مع مرحلة جديدة من الحرب الإسرائيلية التي تتركز في هذه المرحلة على منطقة رفح. وفي هذا المجال، فإن النجاحات التكتيكية ضد جيش العدو تصبّ في سلة الإنجازات التكتيكية الجماعية لمحور المقاومة، في مسار تراكمي وتصاعدي وتكاملي مع المقاومة في قطاع غزة.

يتزامن هذا التطور الميداني مع اقتراب استحقاقات مفصلية تتصل بالجبهة اللبنانية المرتبطة أولاً وحصراً بجبهة غزة. فهي تأتي بعد استنفاد خيارات عدوانية انتهجها جيش العدو، إلا أنه فشل في تحقيق المهمة التي دعا وزير الأمن يوآف غالانت إلى ضرورة استكمالها، رغم تحقيقه إنجازات تكتيكية هنا وهناك. كما فشل الجيش في إحداث تغيير جذري في قواعد مواجهة المقاومة، وفي فكّ الارتباط القائم مع جبهة غزة، وإخضاع إرادة المقاومة عبر القنوات الفرنسية والأميركية.

في المقابل، فرضت المقاومة عبر جبهة لبنان حضورها وتأثيرها على مؤسسات القرار السياسي والأمني في تل أبيب وواشنطن. وتحولت أيضاً إلى عامل رئيسي في تقدير الخيارات وفي خلفية القرارات، وبدا ذلك واضحاً في تقدير المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أمام المستوى السياسي بأن تهدئة جبهة لبنان لا تتحقق إلا عبر هدوء جبهة غزة، مع ما يحمله ذلك من مؤشرات خطيرة بالنسبة إلى قوة الردع الإسرائيلية. إضافة إلى الموقف الأميركي الذي عبّر علناً، عبر أكثر من مسؤول من بينهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بأن جبهة لبنان لن تهدأ إلا عبر تهدئة جبهة غزة.

في الخلاصة، يشكل تصاعد العمليات وتطورها متغيّراً جوهرياً في بعديه العملياتي والسياسي في مواجهة التهديدات التي يتوالى عليها المسؤولون الإسرائيليون. ويكشف حجم تصميم حزب الله الذي حفر عميقاً في الوعي الإسرائيلي، وأدخل اليأس في قلوب صنّاع القرار والمستوطنين، حتى ارتفعت الأصوات التي تنادي بإضافة العودة إلى المستوطنات على الحدود مع لبنان، إلى أهداف الحرب. في إشارة إلى أنها لم تعد أمراً مسلّماً، وإنما ذلك مشروط بوقف الحرب على غزة الذي يؤدي إلى هدوء جبهة لبنان.