سيجد لبنان نفسه في عزلة عن الاسواق الاوروبية في ما يتعلّق بتصدير ثروته الغازية التي وُعِد بها اللبنانيون، في حال عدم استئناف العمل في ملف النفط والغاز اليوم قبل الغد.
يتأمل اللبنانيون من العهد الجديد السير قدماً في ملف النفط والغاز أو ما يُعتقد انه «الثروة الوطنية للبنان»، خصوصاً انّ رئيس الجمهورية المنتخب العماد ميشال عون اعطى في خطاب القسم، أولوية لاستثمار الموارد الطبيعية، وبالتالي من البديهي ان يترجم ذلك في المرحلة الاولى، إقراراً للمرسومين العالقين على طاولة مجلس الوزراء وإقرار القانون الضريبي المتعلق بالأنشطة البترولية، هذا في حال تمّ تشكيل حكومة في القريب العاجل.
لا شكّ انّ لبنان تأخر كثيراً في معالجة ملف النفط والغاز، ممّا بات يهدد بعزلته عن الاسواق والمنطقة من ناحية الطلب على غازه، لأنّ نشاط اسرائيل على هذا الصعيد يشكل خطرا داهما على الموارد البترولية اللبنانية.
في هذا الاطار، أوضحت الخبيرة في شؤون النفط والغاز لوري هيتايان لـ«الجمهورية» انه في ظل الخطوات السريعة التي تتّبعها اسرائيل وقبرص على صعيد الوصول الى التنقيب وإنتاج الغاز، يعاني لبنان مشكلة تتمثّل في صعوبة ايجاد اسواق لتصدير غازه، لأنّ الكميات الكبيرة الموجودة إن في لبنان او اسرائيل وقبرص، تفوق حجم الاستهلاك الداخلي وبالتالي تحتاج لتصديرها الى أسواق خارجية.
وأشارت الى انّ الشركات الاجنبية، بغية تحقيق الارباح والاستفادة من عمليات التنقيب والانتاج في المنطقة، تحتاج أوّلاً الى تأمين اسواق للغاز المنتج.
وفيما تشمل هذه الاسواق الدول العربية ودول اوروبا، حيث تكثر التحديات، «هناك تنافس بين لبنان واسرائيل وقبرص حول من ينجح في تصدير غازه أوّلاً الى الاسواق الأوروبية، عبر تركيا وقبرص واليونان، علماً انّ هناك وسيلتين لنقل الغاز الى الاسواق الاوروبية: عبر الانابيب، وعبر تقنية الغاز الطبيعي المسيل Liquefied natural gas ( LNG ).
ولفتت هيتايان الى انّ اسرائيل نجحت في ان تكون السبّاقة في هذا الاطار، في حين انّ لبنان عالق في إقرار مراسيم النفط والغاز، وقد تأخر أشواطاً عنها.
وذكرت انّ اسرائيل تقوم بإزالة كافة العراقيل من أمامها، إن على الصعيد الداخلي عبر تسوية الاطار القانوني لملف النفط و الغاز، أو على الصعيد الخارجي من خلال توقيع اتفاقية مع تركيا وتعيين سفير اسرائيلي في تركيا خلال اليومين الماضيين، ما سيفتح المجال اكثر أمام توقيع اتفاقية غاز بين الطرفين، ويسهّل عملية نقل الغاز عبر الانابيب.
في الوقت نفسه، تسعى اسرائيل الى تعزيز العلاقات مع اليونان وقبرص، وستعقد اجتماعا حول التعاون في مجال النفط والغاز يوم غد في تل ابيب مع الرئيس القبرصي ورئيس الوزراء اليوناني.
كذلك تتحرك اسرائيل على عدّة أصعدة، وقد عقدت مناقشات مع مصر من اجل نقل الغاز الطبيعي المسيّل عبر المحطات الموجودة في مصر، الى الاسواق الاوروبية.
وبالتالي، تعمل اسرائيل على تأمين 3 خطوط لتصدير غازها، ولا تتّكل على خط واحد «لأنّ الخط التركي يعاني الصراع القبرصي – اليوناني في حين انّ مشكلة الخط القبرصي- اليوناني (1300 كلم) تكمن في كلفته المرتفعة، بينما يعاني الخط المصري مشاكل سياسية».
وفي اطار تأمين أسواق لغازها، أبرمت اسرائيل عقود تصدير مع الشركة الاردنية للكهرباء ومع شركة كهرباء اخرى داخل اسرائيل.
في المقابل، يجد لبنان نفسه ضعيفاً وبعيداً كل البعد عن الخطوات المدروسة التي تقوم بها اسرائيل في ملف النفط والغاز، حيث لفتت هيتايان الى انّه من المتوقع ان يبدأ حقل ليفياثان للغاز الاسرائيلي التصدير في العام 2019.
أما لبنان فيحتاج الى إقرار مرسومي النفط، وعقد دورة تأهيل، واطلاق أول دورة تراخصيص، «وبالتالي، في حال استؤنف العمل اليوم، نحتاج الى 6 اعوام او 7 لبدء إنتاج الغاز وتصديره».
وحول الجدوى الاقتصادية للثروة البترولية اللبنانية في ظلّ هذا التأخير، اشارت هيتايان الى دورة التراخيص الثالثة التي جرت في قبرص والتي استقطبت شركات كبرى. ولفتت الى انّ نتائج دورة التراخيص التي أطلقتها اسرائيل مؤخراً، ستدلّ على مدى شهية الشركات الاجنبية في الاستثمار في المنطقة.
«كما انّ الشركات عادت وتأقلمت مع السعر الجديد للنفط بعد ان فقدت شهيتها في الاستثمار قبل عامين بسبب تدنّي الاسعار. وبالتالي، لم تعد المخاوف من فقدان اهتمام الشركات الاجنبية في غاز المنطقة، موجودة».
كذلك، أكدت هيتايان وجود حاجة لحقول غاز المنطقة، لأنّ اوروبا بدأت التخلّي بشكل تدريجي عن الفحم والنفط، وتتجه حالياً نحو مصادر طاقة أقلّ تلوثاً مثل الغاز، فيما تشير التقارير الى انّ حاجة أوروبا للغاز ستتزايد لغاية العام 2040.
وبما انّ السوق العالمية بحاجة الى الغاز أكثر من الفحم والنفط، ولأنّ التوجّه العالمي نحو الحدّ من التلوث، تبقى الحاجة لغاز المنطقة ولبنان، قائمة، «لكنّ ذلك لا يفتح المجال أمام المزيد من التأخير في بدء التنقيب وإنتاج الغاز اللبناني».
و في هذا الاطار شدّدت على انّ لبنان يعاني مشكلة جديّة بسبب تأخره في هذا الملف، تتمثل بإمكانية مدّ اسرائيل انبوباً لنقل الغاز في المنطقة ستتشارك به حتماً مع قبرص، ما سيصعّب عملية انضمام لبنان الى هذا الانبوب بسبب العداوة القائمة بين البلدين، وبالتالي سيصبح غاز لبنان معزولاً تماماً عن الاسواق الاوروبية.
هذا السيناريو، في حال حصوله، سيُضطرّ لبنان الى إقامة انبوب بديل خاص به، وهو أمر سيكبّده كلفة مرتفعة جداً وغير محبّذ، أو استخدام تقنية الغاز الطبيعي المسيل لتصدير الغاز، وهي أيضا ذات تكلفة مرتفعة، وإمّا انتظار انتهاء الحرب السورية وعودة الامور الى مجاريها من اجل استخدام الانبوب العربي لنقل الغاز الممتد من مصر الى سوريا الى تركيا، وغير المؤهّل بعد.
في الختام، إعتبرت هيتايان انه «على رغم المخاوف من الخطر الذي تشكله اسرائيل علينا من ناحية التنافس على الاسواق، إلّا انّ فرصاً أخرى يمكن ان تأتي في المستقبل يستطيع لبنان ان يستفيد منها».